«دبي» صحت متأخرة: إنه القمع باسم الحرية
اعتادت الأوساط الثقافية السورية السجالات بين المخرجين نتيجة انقسامهم إزاء «المؤسسة العامة للسينما» باعتبارها هيئة حكومية تمثّل حالة مصغرة للنظام السوري. مجمل هذه السجالات ترتفع حدتها وتتحول طقساً ملازماً لـ «مهرجان دمشق السينمائي الدولي» الذي لا تكتمل فعالياته من دون البيانات والمقالات التي تتهم مؤسسة السينما بانحيازها إلى مخرج مقرب منها، على حساب آخر معارض لها ولسياسة النظام الحاكم الذي تمثله على حد سواء.
مع بداية الأزمة منذ حوالى عامين، أصدر بعض المخرجين المعارضين بياناً أدانوا فيه ممارسات النظام السوري القمعية بحق المتظاهرين السلميين، وحمّلوه مسؤولية تفاقم الأوضاع. بدورهم، سارع عدد آخر من المخرجين الموالين إلى إصدار «بيان مخرجي الداخل» أوضحوا فيه وجهة نظرهم من الأحداث و«المؤامرة التي تتعرض لها البلاد».
بعدها، كرّت سبحة البيانات التي لخّصت الانقسام بين صناع الفن السابع في سوريا. وسريعاً، نقلوا ساحة حربهم إلى المهرجانات العربية والعالمية، كما حدث في مهرجاني «القاهرة» و«دبي»، عندما أصدر مخرجون ومثقفون سوريون معارضون بياناً اعترضوا فيه على إدراج فيلم «العاشق» للمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في «مهرجان القاهرة»، وقد كان مقرراً عرضه أيضاً في «مهرجان دبي» إلى جانب «صديقي الأخير» لجود سعيد، و«مريم» لباسل الخطيب (الأخبار 30/11/2012). هذا الاعتراض جاء بدعوى أنّ هذه الأفلام أنتجتها «المؤسسة العامة للسينما» وصنعها مخرجون دافعوا سابقاً عن النظام السوري في تصريحاتهم، وفي البيانات التي وقعوا عليها.
وفي سابقة أولى من نوعها، استجابت إدارة المهرجانين لنداءات المعارضة، وقررت عدم عرض الأفلام، بعدما حددت مواعيد تقديمها للجمهور ضمن جداول مسابقات المهرجان! تعددت القراءات لهذا الإجراء القمعي الذي رآه البعض تناقضاً صارخاً مع مبادئ حرية التعبير، والديموقراطية التي تطالب بها الثورة الحقيقية. أما الآخرون، فاعتبر قرار المنع انتصاراً حقيقياً للمعارضة. ومع انطلاق «مهرجان دبي»، حاولنا فتح القضية مجدداً، وانجاز ملف يضمّ وجهات نظر طرفي الخلاف، ووضعها بين يدي القارئ، لكنّ سياسة الاقصاء شملتها من الطرف المعارض هذه المرة. رفضت أسماء بارزة من السينمائيين المؤيدين لقرار الغاء عرض الافلام السورية، تقديم وجهة نظرها على صفحاتنا. هذا ما حدث مع المخرج نضال الدبس، والسينمائية السورية المقيمة في باريس هالة العبد الله، التي اعتذرت عن عدم تقديم وجهة نظرها، مكتفية ببيان نشرته في صفحتها على الفايسبوك، وأعلنت فيه سحب فيلمها «كما لو أننا نمسك بكوبرا» من ««مهرجان القاهرة» لأنّني أؤمن بأن المهرجانات نافذة للسينمائيين، وخصوصاً للمستقلين منهم، كي يعرضوا أفلامهم في جو من التبادل الايجابي والحرية» كما جاء في البيان الذي عددت فيه أسباب انسحابها قائلةً «فهمت من ردود فعل بعض المسؤولين عن المهرجان في القاهرة، ومهرجان دبي، أنهم يعتبرون السينما مستقلة عن السياسة، وهذا ما يبرّر لهم استقبال وعرض أفلام لمخرجين من سوريا، يساندون حتى اليوم النظام السوري... هؤلاء المخرجون لا أريد لفيلمي أن يتقاسم معهم أرض مهرجان يتوهم أنّ السينما مستقلة عن السياسة».
بعد استبعاد الأفلام السورية الثلاثة، عادت العبد الله لتكتب على صفحتها «حين تتراجع مؤسسة رسمية وغير ثورية مثل «مهرجان القاهرة» عن عرض فيلم «العاشق» ويلحق به «مهرجان دبي» بالتراجع عن عرض «مريم»، و«صديقي الأخير»، و«العاشق»، فهذا دليل على أنّ صوت الحق يمكن أن يكون مؤثراً وحاسماً». لكنّه غاب عن ذهنها أنّها وقعت مع رفاقها في شرك إلغاء الآخر، وممارسة قمع جديد باسم الثورة، يشبه ما تمارسه المؤسسات الثقافية السورية الرسمية. لا يستبعد مدير «المؤسسة العامة للسينما» محمد الأحمد أن يكون سيناريو إقصاء الأفلام السورية، وقرار منع عرضها مبيتاً ومعداً سلفاً «هناك مراسلات رسمية تمتد لأكثر من 4 أشهر مع إدارتي مهرجاني القاهرة ودبي. لقد طلبتا الأفلام الثلاثة، وأرسلتا تذاكر السفر بعد تحديد مواعيد العرض، لكن في اللحظات الأخيرة، وصلتنا كتب الاعتذار الرسمية أيضاً عن عدم عرض أفلام المؤسسة». ويتوقف مطولاً عند البيان المسيء الذي أصدره «مهرجان دبي» بحق صناع الأفلام والمؤسسة «صدر هذا البيان ليكشف حقيقة الموقف بعدما استماتت إدارة «مهرجان دبي» لتحظى بالعرض الأول للأفلام السورية الثلاثة. لا يمكن تفسير هذا الاجراء إلا بالمقصود والمتعمد. ألم يتبنه القائمون على «مهرجان دبي» أنّ أبناء الشعب السوري يقتلون عندما طلبوا أفلامنا قبل 4 أشهر؟».
أنس زرزر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد