«ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل».. سيناريو لغز اصطياد بن لادن
لا يساوم فيلم المخرجة الأميركية كاثرين بيغلو «ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل» على قضيته. لا يرتكن إلى تبريرات، أو ضخّ مشاهد توصيفية أو شروحات أو دعوم. جثّة زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن تمثّل الدرّة التي ظلّ نصّ مارك بوال، الصحافي الذي تحوّل إلى الكتابة السينمائية، يلهث طوال 158 دقيقة كي يقتنصها، ويوثّق بالتفصيل الدقيق كيف أفلح الأميركيون في اصطياد أشهر طريد في تاريخ البشرية.
لا يسعى نصّ بيغلو ـ بوال البتّة إلى اصطياد مشاهده. الحكاية كافية ووافية لفضوله. بيد أن الحيلة الفريدة بين أيديهما هي التخمين، أي: «تعالوا معنا لنريكم ما لا تريد الإدارة الأميركية، سياسياً وعسكرياً، اطلاعكم عليه، وإن كان خيالاً هوليووديا بحتاً». حدس التفاصيل، التي يتعيّن على المشاهد عدم التشكيك بها، تُرغمه على الإيمان بأن لا بديل حقيقياً إلاً ما صوّره الفيلم. لا بدّ من أن «بطولة» تصفية بن لادن رُتِّبت ونُظِّمت ونُفِّذت على طريقة بيغلو. وبحسب نصّها، يستحيل أن يكون هناك سيناريو آخر، ما يُفسِّر تحصّنها بالإعلان الاحترازي بأن «الفيلم يستند إلى مشاركات حقيقية في أحداث فعلية».
يقوم فيلم كاترين بيغلو على فكرة أن بطلاً ما مخفياً هو الذي قاد الانتصار. إنها البطلة مايا التي تعرّفنا اليها في المشهد الافتتاحي، وهي تراقب بوجل عملية تعذيب أحد عناصر «القاعدة» عمار (الممثل الفرنسي ـ الجزائري رضا كاتب، حفيد الروائي الشهير كاتب ياسين، الذي رأيناه في نص جاك أوديار «نبي») في قاعدة سرية، لدفعه إلى الاعتراف بالخيط الأول. الهدف الدرامي من وجودها في بيئة شديدة العنف مزدوج: أولاً، تملك مايا الأنثى قلباً ميتاً يثبت على قراره إلى النهاية، وهذا ما يحصل. ثانياً، تتحايل فتنكشف لاحقاً عن أنها نسخة نسائية عن زميلها خبير التعذيب دان (جيسن كلارك)، الذي يقول كلاماً سوقياً لعمار، المرعوب من وحشيته، مثل: «إذا كذبت عليّ، سأوذيك». أو: «أثمن شكيمتك. بيد أن الجميع ينهار في النهاية. إنها البيولوجيا». أو: «هكذا هو شكل الهزيمة يا أخي. جهادك انتهى». لكن مايا تبرع في حقل آخر، أشد تعقيداً في عملياته، وأثمن بمسؤولياته. إنها لا تريد تلويث يديها بجلسات الإيهام بالغرق، أو تسهيد المعتقل، أو سحبه من رقبته ككلب. مهمّتها أكثر نزاهة: الوصول إلى وكر القاتل.
«ثلاثون...» بيغلو فيلمان متتابعان، تجمع بينهما مايا وحيوانيتها الإستخباراتية المتصاعدة. عميلة متواضعة الرتبة، ينقل عنها قائد العمليات في باكستان ما أخبره به كبار واشنطن: «إنها ماحقة». تقف بعناد نادر ضد قيادييها المتشكّكين بحاستها وحدسها. تخسر زملاءها تباعاً، من دون أن تحيد عن مسارها. القدر رسّمها شيطاناً استخباراتياً دولياً، ينطبق عليه تلميح مدير «سي. آي. أيه.» (جيمس غوندولفيني): «نحن جميعنا خارقو الذكاء». تعرف الفرق بين كنية «أبو أحمد» أو «حبيب المصري» وبين اسم علم مثل «إبراهيم السعيد»، الذي يقودها إلى «الساعي» الغامض، ثم إلى الفخّ. المقطع الأول، الذي ينتهي بعد 118 دقيقة، كرّ وفرّ هوليووديا الطابع. بدا قرار بيغلو حكيماً بعدم الانجرار إلى الإثارة التقليدية للفيلم البوليسي. تجنّبت مطبّ أفلام «المنافحة الوطنية»، التي جعلت جون واين مقاتلاً في فرق الجيش الأميركي كلّها. الهدف المعلن هنا هو تحوّلات مايا، وليست الوقائع. فراستها وشجاعتها و«إدمانها» على صورة بن لادن وهو قتيل، تجعلها المواطنة الأميركية التي لا يفلّ عزمها أو يحيد عن التكليف الرباني بالقصاص من العدو الملتحي. إنها «خادم حكومي» بلا ضمير، عليه تنفيذ صرخة مدير العملية: «قوموا بواجبكم. اجلبوا لي بشراً كي أقتلهم».
زياد الخزاعي (لندن):السفير
إضافة تعليق جديد