مصر: استثمارات قطرية تلامس قناة السويس
لم تغب قطر عن المشهد السياسي في مصر إلا لساعات معدودة، حتى عادت لتظهر من جديد، لتطل هذه المرة بوجهها المفضل... الوجه الاقتصادي.
وزير المال القطري يوسف حسين كمال حل ضيفا على القاهرة في زيارة معلن عنها مسبقاً، والتقى نظيره وزير المال المصري المرسي حجازي الذي تسلم منصبه منذ أيام قليلة، كما التقى أيضا رئيس الوزراء هشام قنديل، ليعقد في النهاية مؤتمرا صحافيا قصيرا كان أبرز ما فيه إعلان نية بلاده شراء سندات وأذون مصرية بقيمة 2,5 مليار دولار، في وقت لم تعلن فيه مصر رسميا حتى الآن عن طرح هذه السندات أو تكشف عن قيمتها.
وبالإضافة إلى ذلك، أكد الوزير القطري نية بلاده الاستثمار في منطقة شرق التفريعة المجاورة لقناة السويس بكل ما يعنيه ذلك من حساسية نابعة من إستراتيجية المكان.
اللافت أن وزير المال القطري كشف للمرة الأولى عن أن مبلغ الـ2,5 مليار دولار الذي ستشتري به الدوحة السندات والأذون المصرية سيكون مستقطعاً من الأربعة مليارات دولار التي سلمتها قطر إلى المصرف المركزي المصري على دفعتين في العام الماضي كوديعة، ما أثار دهشة العديد من الخبراء المصرفيين، وذلك لأن الوديعة القطرية طويلة الأجل، أي من الصعب استردادها إلا بعد سبع أو عشر سنوات، فكيف لقطر أن تسترد جزءا منها الآن؟
هذا السؤال طرحته الخبيرة المصرفية سلوى العنتري، مديرة قطاع البحوث في البنك الأهلي سابقاً، وذلك في تصريح لـ«السفير»، مضيفة أن «طرح السندات وأصول الخزانة هو أمر اتبعته مصر في ظل حكم المجلس العسكري، في محاولة للحصول على أموال لضخها في الموازنة العامة، لكن السؤال كيف عرفت قطر بأن مصر ستطرح هذه السندات بقيم تصل إلى 2,5 مليار دولار أو يزيد؟».
العنتري ذهبت إلى القول إن الودائع التي منحتها قطر لمصر ليس لها أي فائدة اقتصادية سوى أنها سدت بعض الاحتياجات الحكومية المؤقتة، لكنها لم تتحول إلى مشاريع استثمارية حقيقية، وهي تعكس بذلك منهج لحكومة قنديل الحالية والقائم على الاستدانة والاقتراض فقط من دون أي إستراتيجية اقتصادية حقيقية.
وبالرغم أن المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير المال القطري لم يزد وقته عن عشر دقائق، رد فيه على عجالة على عدد محدود من الأسئلة، فإن الأسئلة لم تتوقف عند تفاصيل فنية تتعلق باستثمارات قطرية محتملة، بل وصلت إلى ما هو أبعد، وتتعلق بالفائدة والعائد الذي ستحصده قطر من خلال ضخ هذه الأموال لمصر، لاسيما أن شراء الأذون والسندات من قبل بعض الدول أو الجهات، تقابله عادة «مصالح سيادية» تفسرها الخبيرة المصرفية بأنها ستكون في صورة استثمارات ضخمة مقدمة عبر شروط خاصة ومميزة عن الشروط السائدة، ولعل هذا ما يفسر تأكيد قطر على الاستثمار في شرق التفريعة، وهو مشروع مخصص لأن يصبح أكبر منطقة صناعية حرة في الشرق الأوسط وأكبر ميناء لاستقبال الحاويات، ويقع شرق بورسعيد على الطرف الشمالي الغربي لسيناء وتبلغ مساحته 220 كيلومتراً، وكأن هناك اتفاقا مسبقا على ذلك بين حكومتي الدوحة والقاهرة، حتى قبل أي طرح علني وعالمي للاستثمارات في هذه المنطقة.
ولم يأت وزير المال القطري إلى مصر بمفرده، بل اصطحب معه أحمد السيد، الرئيس التنفيذي لشركة «قطر القابضة»، الذراع الاستثمارية لصندوق الثروة السيادية القطري، والتي سببت صفقاتها الاستحواذية في العديد من الدول الأوروبية موجة كبيرة من الانتقاد في الصحف الغربية، خاصة، أن آخر هذه الصفقات كان محاولة شراء 20 في المئة من أسهم هيئة المطارات البريطانية إضافة إلى امتلاك حصة في شركة «توتال» الفرنسية للنفط.
وقدّرت صحيفة «فايننشال تايمز» حجم الأموال المخصصة من قبل «قطر القابضة» للاستثمار في العالم بنحو مئة مليار دولار. الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول النوايا الاستحوذاية للشركة القطرية المتعطشة في ما يبدو للمزيد من المليارات.
وقابل المسؤولون المصريون الوفد القطري الثري بعروض جاذبة وخاصة، إذ قال وزير المال المصري عقب لقائه نظيره القطري، إن الحكومة تستهدف جذب استثمارات قطرية بقيمة 15 مليار دولار، كما ألمح إلى إعطاء قطر مميزات صريحة في مشروع التفريعة، عندما قال إن مصر تستهدف تنمية محور قناة السويس بصورة كاملة، ردا على طلب من الجانب القطري بزيادة الاستثمارات الصناعية القطرية في المشروع عبر إنشاء مرافق البنية التحتية له من كهرباء وطاقة ومياه وطرق.
وإذا استمرت هذه التنازلات فإن شرق التفريعة ـ وربما غيرها ـ قد تتحول برمتها إلى مساحة شبه قطرية على أرض مصرية.
محمد هشام عبيه: السفير
إضافة تعليق جديد