أفلام هوليوودية عن الماضي والحاضر تواجه بتحدٍّ تاريخ الولايات المتحدة
يستحق الحدث انتباهاً نقدياً. التزامن في مواعيد إطلاق العروض التجارية الدولية لثلاثة أفلام أميركية قد يكون مجرّد صدفة. لكن الأفلام الثلاثة تتشارك في تشابه الرغبة السينمائية في إعادة النظر بتاريخ بلد، تمهيداً لفهم حاضره. المجلة الفرنسية الشهرية «دفاتر السينما» خصّصت ملفاً بهذه الأفلام الثلاثة في عددها الصادر في شباط 2013. عنونت غلافها الأول بـ«أميركا بالقوّة: سبيلبيرغ، تارانتينو، بيغولو». الملف نفسه حمل عنواناً آخر: «هوليوود في مواجهة التاريخ». الأفلام الثلاثة هي: «لينكولن» لستيفن سبيلبيرغ، «دجانغو غير المقيَّد» لكوانتين تارانتينو، و«ثلاثون دقيقة بعد منتصف الليل» لكاترين بيغولو. الأفلام لا تزال تُعرض في الصالات اللبنانية. الأرقام مفيدة في هذا الإطار: بلغ عدد مشاهدي «لينكولن» في الأيام الستة الأولى لعرضه التجاري اللبناني 6157 مُشاهداً. «دجانغو غير المقيّد» جذب، في 20 يوماً، 19069 مُشاهداً. أما فيلم كاترين بيغولو فشاهده، في 13 يوماً، 8686 مُشاهداً. في الصالات الأميركية، الوضع مختلف: حقّق الأول 170 مليوناً و800 ألف دولار أميركي في 13 أسبوعاً، والثاني 150 مليوناً و900 ألف دولار أميركي في 6 أسابيع، والثالث 77 مليوناً و700 ألف دولار أميركي في 7 أسابيع.
عنوانا المجلة يتكاملان. المواضيع المطروحة في الأفلام الثلاثة منصبّة على تاريخ الولايات المتحدّة الأميركية وراهنها. تزامنُ إطلاق عروضها التجارية متداخلٌ وموسم الجوائز السينمائية الأميركية الأساسية، المنضوية في إطاري «غولدن غلوب» و«أوسكار». التنافس شديد بينها على مستوى الجوائز، كما على مستوى الجودة الفنية والتقنية والدرامية. التنافس شديد بينها على مستوى أساليب الإخراج والفضاءات المفتوحة على لغة الصورة وتقنيات الإضاءة والمونتاج والصوت والألوان وغيرها. الأفلام الثلاثة مائلة إلى تبيان واقع الحال الاجتماعي العام في الولايات المتحدّة الأميركية، في السياسة والثقافة والاجتماع والتحوّلات والمصير والعنف. جعلت المتن التاريخي، ماضياً وحاضراً، جزءاً من لعبة السينما أيضاً. الاشتغالات السينمائية واكبت القراءة الدرامية لحالات وشخصيات. واكبت محطّات أساسية وسمت، سلباً وإيجاباً، تاريخاً مكتوباً بالدم والعنف والإبادة، وهذه كلّها شكّلت مكوّنات دولة قدّمت، لاحقاً، إبداعاً في الثقافة والعلوم، ومزيداً من دروس العنف المتفشّي فيها وفي أنحاء العالم أيضاً.
«لهذه الأفلام جرأة مواجهة تاريخ بلادها بتحدّ»، كما كتب ستفان دولورم مُقدّماً الملف المذكور. أضاف فيلماً رابعاً هو «المعلّم» لبول توماس أندرسن. قال إن جرأة المواجهة تمثّلت بأساليب مختلفة: «بطريقة تشبه الحلم لكنها جافة (أندرسن). بطريقة بنيانية لكنها معقّدة (سبيلبيرغ)، ووحشية لكنها مسلّية (تارانتينو)، وصحافية لكنها إشكالية (بيغولو)». رأى أن الأفلام «قِطَعٌ من التاريخ تمرّ أمام عيوننا». يُمكن الاستناد إلى تحليل نقدي كهذا في مشاهدة الأفلام الأربعة (يُتوقّع إطلاق العروض التجارية اللبنانية لـ«المعلّم» قريباً). يُمكن القول إن ما صنعه المخرجون في أفلامهم هذه نتاج سجالات ثقافية وأخلاقية وإنسانية، طالت أشكال التحوّلات ومناخاتها وظروفها. بيغولو طاردت أسامة بن لادن عشية مقتله. لكنها سألت عن سبب التأخّر في قتله، كما عن أنماط العنف والتعذيب المعتمدة مع الإرهابيين من قبل عملاء «وكالة الاستخبارات المركزية». بالنسبة إلى الناقد نيكولاس إيليوت، فإن البناء الدرامي المعتمد في فيلمها ــ أي بيغولو ــ مرتكز على مفهوم «الأبواب المغلقة»، أي داخل أمكنة محدّدة وثابتة: «(في الفيلم) ننتقل من التاريخ إلى مراجعة الهوس» (هوس عميلة الاستخبارات في مطاردتها بن لادن). سبيلبيرغ وتارانتينو مختلفان. عادا إلى بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لتسليط الضوء على العبودية والتعديل الـ13 الهادف إلى إلغائها. العودة معقودة على محاولة فهم المسار التاريخي الذي أفضى إلى وصول باراك أوباما إلى رئاسة الولايات المتحدّة الأميركية في العام 2008 (سبيلبيرغ). العودة معقودة على مقاربة أحوال البلد أثناء العبودية، وعلى مغزى العنف، وعلى التداخل المعقّد بين طرفي النزاع (تارانتينو).
نديم جرجورة
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد