سورية الخامسة عربياً في صناعة البرمجيات
صناعة البرمجيات أضحت واحدة من أهم الصناعات في العالم، وتتسابق الدول اليوم على الاستثمار في هذا المجال، الذي استطاع رفد الثروات المحلية والصناعات المختلفة بإمكانات كبيرة تسهم في دعم الاقتصاد الوطني بشكل عام.
من هذا المنطلق، عملت وزارة الاتصالات والتقانة بالتعاون مع الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية على إحداث مشروع تطوير صناعة البرمجيات المحلية من خلال الحصول على شهادة الاعتمادية CMMI بما يضمن الارتقاء بمستوى الإجراءات والأداء البرمجي.
التقينا د. مهيب النقري مدير مشروع تطوير البرمجيات في سورية في محاولة للإضاءة على هذا المشروع:
أين وصلنا في مشروعCMMI في سورية؟
يعد مشروع تطوير صناعة البرمجيات في سورية والذي يهدف إلى تطوير مستوى نضج الشركات السورية العاملة في هذا المجال والحصول على شهادة الاعتمادية العالمية CMMI، أحد أهم المشاريع التي طرحتها وزارة الاتصالات والتقانة في سورية بالتعاون مع مركز تقييم واعتمادية هندسة البرمجيات SECC المصري، وقام خبراء الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية بإدارة هذا المشروع والعمل مع الخبراء المصريين على تقديم الاستشارات الفنية اللازمة، وتطوير الكادر البشري في الشركات السورية للعمل وفق إجراءات ومعايير عالمية. بدأ العمل في هذا المشروع في نهاية عام 2009 وتمكنا بعد أقل من عامين من مساعدة الشركات السورية على الحصول على شهادة CMMI من معهد صناعة البرمجيات الأمريكي SEI وذلك بعد نجاح هذه الشركات في اجتياز اختبارات التقييم النهائي واعتماد نتائج هذه الاختبارات من قبل خبراء هذا المعهد.
لماذا اختارت الجمعية العمل في هذا المشروع؟
يعد تطوير صناعة البرمجيات في سورية أحد أهم أهداف الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، ولعلّ قيام الجمعية بإدارة هذا المشروع المهم، وتوفير الخبراء العاملين في هذا المجال كان له الأثر الفعّال في نجاح المشروع رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهته نتيجة الظروف الصعبة التي مرت على سورية خلال العامين الماضيين.
ما هي المنعكسات الاقتصادية والمعلوماتية لهذا المشروع؟
تعد هذا الصناعة إحدى أهم الصناعات التي تلعب دوراً اقتصادياً مهماً في تنمية وتطوير البلدان النامية ومنها سورية، وتكمن الميزة الكبرى في هذه الصناعة بأنها لا تحتاج لاستثمارات كبيرة، الأمر الذي ساعد الكثير من البلدان على دعم هذه الصناعة وإيجاد مورد اقتصادي مهم اعتماداً على صناعة التعهيد، وهنا يمكن أن نذكر الهند التي استطاعت الحصول على إيراد تصديري كبير وصل إلى أكثر من 60 مليار دولار في العام 2012.
من هنا كان لابد من الاهتمام بتطوير صناعة البرمجيات لرفع مستوى الشركات السورية العاملة في هذا المجال، ما يساهم في رفع مستوى المنتج البرمجي اللازم لتطوير أداء مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة، والذي يساهم بدوره في إيجاد فرص عمل للكثير من الخريجين من الجامعات السورية والذين يشهد لهم بالكفاءة والخبرة على مستوى المنطقة وربما في العديد من الحالات على مستوى العالم.
هل يكفي وجود 4 شركات تحمل هذه الشهادة لتطوير البرمجيات في سورية؟
لا يكفي بالتأكيد حصول أربع شركات سورية على هذه الاعتمادية العالمية، ولعلّ من المهم ذكره وجود أربع شركات أخرى شاركت في المشروع منذ بدايته لكنها لم تستطع إتمامه لظروف مختلفة، أهمها الظروف المالية الصعبة التي تواجهها نتيجة الأزمة الحالية، ما يجعلها مؤهلة لطلب اجتياز اختبارات التقييم المطلوبة في أي وقت، وقدرتها على النجاح في هذه الاختبارات نتيجة للخبرات التي اكتسبتها خلال مختلف مراحل المشروع. هذا إضافة إلى استمرار الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في تقديم الاستشارات اللازمة في هذا المجال للشركات السورية، ووجود العديد من الشركات الراغبة في تطوير أدائها والحصول على الاعتمادية العالمية CMMI، ولاسيما أنه يوجد العديد من الخبرات السورية التي أصبحت قادرة على توفير الاستشارات المطلوبة.
ما هو موقع سورية في هذا المجال قياساً بما وصلت إليه الدول العربية؟
تعد الدول العربية حديثة نسبياً في مجال تطوير صناعة البرمجيات، واعتماد معايير وإجراءات CMMI. وكانت جمهورية مصر العربية رائدة في هذا المجال خاصة حيث بدأت بدعم هذا القطاع منذ بدايات العام 2000، كما أنها حظيت بدعم حكومي كبير ما سمح لها باعتماد صناعة البرمجيات كإحدى الصناعات الاستراتيجية والتي وصل إجمالي صادراتها إلى ما يقارب ملياري دولار سنوياً.
أما بالنسبة لاعتماد معايير وإجراءات CMMI، فلقد وصل عدد الدول العربية التي توجد فيها شركات استطاعت اجتياز اختبارات التقييم النهائي في CMMI إلى 12 دولة عربية هي: مصر والأردن والسعودية والإمارات وسورية ولبنان والكويت والمغرب وقطر والبحرين وعمان وتونس.
وتتصدر مصر قائمة الدول العربية والتي نجحت فيها أكثر من 50 شركة في اجتياز اختبارات تقييم CMMI، علماً بأنه لايظهر على موقع نتائج التقييم النهائية المنشورة PARS التابع لمعهد صناعة البرمجيات الأمريكي سوى 30 شركة مصرية لأن نتيجة التقييم تبقى صالحة ثلاث سنوات فقط، وتحتاج بعدها الشركة المقيّمة إلى إجراء إعادة تقييم من جديد.
بعد مصر تأتي الأردن بعشر شركات ثم السعودية والإمارات بثماني شركات، تليها سورية بأربع شركات، ثم الكويت ولبنان بثلاث شركات، ثم المغرب وقطر بشركتين، وأخيراً البحرين وعُمان وتونس بشركة وحيدة في كل منها.
يلاحظ أن إجمالي عدد الشركات الموجودة في الدول العربية والتي اجتازت اختيارات تقييم CMMI يصل إلى حوالي 100 شركة، يوجد حالياً منها 72 شركة تمتلك تقييماً فعلياً مسجلاً ضمن موقع PARS. أغلب هذه الشركات اجتازت اختبارات تقييم مستوى تطوير البرمجيات CMMI-DEV Staged والذي يحدّد مستوى الشركة بناء على إجراءات CMMI المحققّة، ويوجد القليل من الشركات (ثلاث شركات فقط) في الأردن والسعودية ومصر والكويت والتي اجتازت اختبارات تقييم تطوير البرمجيات المستمر CMMI-DEV Continuous، إضافة إلى ثلاث شركات مصرية اجتازت اختبارات تقييم مستوى خدمات البرمجيات CMM-SVC.
أما بالنسبة لمستوى الشركات العربية وفقاً لتقييم CMMI، فيلاحظ بأن أغلب هذه الشركات حصلت على تقييم CMMI المستوى الثالث (49 شركة)، تليها 16 شركة عربية حصلت على المستوى الثاني، ثمّ أربع شركات حصلت على المستوى الخامس والأخير، وأخيراً ثلاث شركات عربية حصلت على المستوى الرابع. علماً بأن النسب السابقة تقارب النسب العالمية المنشورة في التقرير الأخير الصادر عن معهد صناعة البرمجيات في أيلول 2012.
هل هناك خطوات لاحقة لمتابعة هذا المشروع؟
بالتأكيد هناك استمرارية في عمل المشروع نظراً للأهمية الكبرى التي يلعبها في دعم وتطوير صناعة البرمجيات في سورية. وعلى الرغم من انتهاء العقد المبرم مع الجانب المصري في المرحلة السابقة إلا أن اهتمام وزارة الاتصالات والتقانة بدعم هذه الصناعة، والخبرات التي اكتسبتها الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في هذا المجال، يحتم عليهما اتخاذ الخطوات المستقبلية القادمة في هذا المجال، بهدف رفع مستوى هذه الصناعة محلياً وعربياً وعالمياً، ولاسيما أن الكثير من المشاريع المعلوماتية المتوقفة حالياً ستحتاج بالتأكيد إلى الخبرات البرمجية المؤهلة لإعادة إحيائها وتطويرها ونشرها.
دورة حياة المنتج تنتقل إلى مرحلة جديدة
رويدة منصور مديرة نظم المعلومات في شركة «للصناعات الإلكترونية» التي حصل قسم هندسة البرمجيات فيها على شهادة CMMI تقول: كان الهدف من الحصول على الشهادة المذكورة هو المساعدة في نمذجة ومقيسة أعمال التطوير البرمجي في الشركة. وقد قمنا خلال مدة عامين بتطوير إجراءاتنا الهندسية والإدارية والداعمة لتلائم متطلبات الحصول على الشهادة.
وتضيف: هذا بالنتيجة ساهم في رفع مستوى جودة إجراءاتنا ومنتجاتنا. وذلك من خلال العمل وفق دورة حياة منتج معرفة ومحددة تتيح لنا قياس كل الأعمال وانزياحات الوقت، ما مكن من متابعة الأعمال بدقة واختيار الموارد المطلوبة وتقليص الزمن اللازم. ومن خلال تطبيقنا لمعايير جودة عالية المستوى، تمكنا من التقليل من حجم ونوعية الأخطاء والمشكلات التي كانت ستظهر مستقبلاً.
وتعتقد السيدة منصور أنه بـ «اعتماد الشركة لنموذج CMMI، فإن كل أعمالنا باتت تتبع إجراءات معرفة من أجل التخطيط للمشاريع وبتنا قادرين أكثر على الالتزام بأزمنة العمل والتسليم، ما أدى إلى رفع رضى الزبون عن المنتجات والخدمات المقدمة له، لاسيما أنه لاحظ أن قدرتنا على متابعة العمل واتخاذ قرارات حاسمة قد ارتفعت بعد عملنا وفق CMMI»، ولعله من الأمور المهمة التي لاقت استحساناً لدى الإدارة هو أننا بمساعدة CMMI رفعنا من قدرتنا على العمل كفريق وباتت المسؤوليات والمهام والأهداف موضحة بشكل أكبر.
وتقترح السيدة منصور وجود لجان مختصة تعتمد مبادئ الـ CMMI في وضع دفاتر الشروط لمناقصات القطاع العام للحصول على أفضل النتائج للطرفين .
حسين الإبراهيم
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد