بانياس: مجزرة أم إفشال مخطط استهداف طرطوس؟
مجزرة في البيضا ... وأخرى في رأس العين .. مجازر متنقلة يرتكبها شبّيحة النظام ضد المدنيين الآمنين في مدينة بانياس من حيّ إلى حيّ، لا يوفرون طفلاً ولا إمرأة ولا كهلاً ولا شاباً.
هكذا باختصار كانت رواية المعارضة عمّا جرى في بانياس خلال اليومين الماضيين، وهي رواية لا تخرج في إطارها العام عن الصورة النمطية التي اعتادت المعارضة وسم "النظام" و"الموالين له" بها. لا جديد على هذا الصعيد، فالنظام والموالين له ليسوا سوى "وحوش" تعتاش على سفك الدم وامتصاصه من شرايين "المعارضين". ووفق هذه الصورة الشائعة في العديد من وسائل الإعلام فلا غرابة أن يرتكب النظام مجزرة تلو الأخرى، ولا داعٍ للتساؤل عن أسباب وخلفيات تصرف النظام، فهو ببساطة يمارس غريزته الوحشية التي فطر عليها منذ أربعين عاماً. لذلك لا ترى المعارضة أنها تحتاج إلى تفسير الأحداث وتسلسلها طالما أنها تملك كلمة السر التي تفسر كل شيء "النظام مجرم".
ولكن حتى لو صح وصف المعارضة للنظام بأنه وحشيّ ومجرم، فالمنطق لا يسمح لنا أن ننسب كافة الجرائم التي تقع إلى الشخص الذي نعرف سابقاً أنه مجرم، وإنما ينبغي أن نتعامل مع كل حالة على حدا وأن نبحث عن الأدلة والقرائن التي غالباً ما تكون متضمَّنة في سيرورة الأحداث وتطورها.
لا يمكن النظر إلى أحداث بانياس خلال اليومين الماضيين خارج السياق الذي حدثت به، فهي حلقة في سلسلة حلقات لها ما قبلها وما بعدها وليست مجازر "مفارقة" ارتكبت خارج الزمان وخارج المكان.
في هذا الصدد، فهناك إجماع من الموالين والمعارضين على أن مدينة بانياس عرفت الهدوء والاستقرار منذ حوالي عامين أي بعد أشهر فقط على بداية الأزمة السورية حيث كانت بانياس وقتها محطة أساسية من محطات تفاعلات الأزمة بالتزامن مع أحداث درعا، ثم سرعان ما عاد الهدوء إلى المدينة ولم نعد نسمع عنها شيئاً.
في هذه الأثناء كانت حواجز الجيش موجودة في مداخل المدينة ومخارجها كباقي المدن السورية، وكان المواطنون والموظفون يعيشون حياتهم ويمارسون أعمالهم بشكل شبه طبيعي على مدار العامين الماضيين.
سؤال جوهري يطرحه الناشط والمدوّن البانياسي (أحمد أبو الخير): لماذا بانياس الآن وفي هذا التوقيت؟". والسؤال بحد ذاته ينطوي على استغراب يشعر به أبو الخير من أحداث بانياس، وأنه لم يكن يتوقع مثل هذه الأحداث في مدينة أصبحت هادئة ومستقرة.
ولكن المدوَّن (أبو الخير) في محاولته الإجابة على هذا السؤال، يربط بين ما سماها "مجزرة" وبين الهجوم الذي نفذه مسلحون معارضون على حاجز البيضا وأدّى إلى مقتل عدد من عناصر الجيش السوري، ولكنه يشير إلى أن "المجازر" التي ارتكبت تجاوزت منطق رد الفعل على ذلك الهجوم.
ولم يتساءل المدوّن (أبو الخير) عن سبب تنفيذ الهجوم على الحاجز في هذا التوقيت! فهذا الهجوم أيضاً لا يمكن أن يكون حدثاً تلقائياً خارجاً عن تطور الأحداث بمجملها.
يقول (وسيم) وهو ناشط موالٍ يعمل في إحدى صفحات التواصل الاجتماعي المهتمة بأخبار اللاذقية وريفها: "منذ أسبوع أطلقت الكتائب الإسلامية المتطرفة ما سمته معركة "أول الغيث قطرة" ثم أطلقت بعض كتائب الجهاديين معركة "بركان الساحل" والهجوم على حاجز البيضا كان من ضمن هذه المعارك التي تستهدف السيطرة على الساحل السوري بحسب مزاعم الكتائب".
ويضيف: "لم يكن الهجوم عل حاجز البيضا وليد اللحظة بل جاء بناء على مخطط مسبق وضعته الكتائب الإسلامية لضرب الاستقرار في أكبر بقعة ممكنة من الساحل السوري".
وهنا يؤكد جندي متطوع في قوات الدفاع الوطني أن "كثافة النيران المعادية التي انطلقت من قرية البيضا كانت فوق التصور، وهذا يدل على وجود أعداد كبيرة من المسلحين في القرية". ويضيف "هذا ما استلزم منّا تدخلاً سريعاً للتصدي لهؤلاء المسلحين ومنعهم من إبادة القوة المرابطة على الحاجز".
تحت ستار الهدوء الذي عمّ مدينة بانياس كان هناك خلايا مسلحة نائمة تنتظر الوقت المناسب للتحرك، وقد كان الإعلان عن معركة "بركان الساحل" هو كلمة السر التي أعطيت لهذه الخلايا من أجل التحرك والتصعيد في مدينة بانياس بالتزامن مع التصعيد في مناطق ريف اللاذقية في سلمى وجبل التركمان وجبل الأكراد، والغاية هي تحريك جبهة الساحل بعد أن تم تجميدها لفترة طويلة بحسب قادة الكتائب في بيان مشترك صدر عنهم منذ حوالي أسبوعين.
وكانت الخطة تستهدف السيطرة على قمة النبي يونس ومرصد سولاس ومن ثم وضع القرى الموالية للنظام تحت رحمة القصف وقذائف الهاون كما حدث مع مدينة القرداحة التي استهدفت بعدة صواريخ غراد.
وقد فشل الهجوم على قمة النبي يونس، كما تعرضت الكتائب الإسلامية لكمين محكم في مرصد سولاس حيث قام الجيش السوري بسحب كافة آلياته ودباباته وقواته من المرصد وسط ذهول حتى من قبل الجنود وقوات الدفاع الوطني كما يروي الناشط المعارض (أحمد ابراهيم) الذي قال أيضا: "بعد انسحاب قوات الأسد من المرصد وتجمع المجاهدون في المرصد تم استهدافهم بـ "سلاح ناري جديد" -حسب قوله- ووقعت أعداد كبيرة من القتلى والجرحى جراء استخدام هذا السلاح".
لذلك كان لا بدَّ من عمل يعيد لهذه الكتائب اعتبارها، بعد الصفعات التي تعرضت لها من قبل الجيش السوري، وقد كانت محاولتها البائسة في قرية البيضا التي لها شهرتها الإعلامية منذ بداية الأحداث، ولا يستبعد (أحمد إبراهيم) المعارض أن يكون هدف التحرك في البيضا هو فتح الطريق لتسلل مقاتلين إلى أقرب منطقة ممكنة من مدينة طرطوس واستهدافها بصواريخ وقذائف يكون من شأنها إحداث البلبلة في صفوف الأهالي وقد تضطرهم إلى النزوح، وبذلك يتحقق أحد أهداف معركة بركان الساحل.
وينبغي أن نشير إلى أن أعداد القتلى في البيضا ورأس العين جرى تضخيمها بشكل كبير والتلاعب بها، ففي حين وصلت بعض وسائل الإعلام إلى الحديث عن خمسمائة قتيل فإن المدون (أبو الخير) يؤكد أن عدد القتلى لا يتجاوز الثلاثين. وقد نشرت صور تظهر جثث لإثني عشر رجلاً ولم يظهر بينهم طفلا ولا إمرأة، وبينما تداول بعض النشطاء صور لأطفال فإن (أبو الخير) المعارض والمصنف على أنه من أكثر المدونين السوريين تأثيراً من قبل فورين بوليسي، لاحظ أن هذه الصورة ليست في بانياس ولا علاقة لها بأحداث البيضا وطلب من الناشطين سحبها.
وفي الختام لا بدّ من الإشارة إلى "صدفة" قد يكون من شأن التمعن بها كشف الكثير من الحقائق حول ما حدث في البيضا. فقد أعلن الكويتي "فهد الحجاج العجمي" -المعروف بتنظيم حملات لمساعدة السوريين المعارضين- في الرابع والعشرين من الشهر الماضي عن حملته الجديد تحت عنوان "إنقاذ الساحل" أي قبل أيام من انطلاق معركة بركان الساحل، فهل كان على علم بما سيحدث؟ وهل من قبيل الصدفة أن يتزامن الإعلان عن حملته مع الإعلان عن معركة بركان الساحل ومجزرة البيضا؟ لاسيما وأن العجمي هو أحد أكثر المقربين من حركة أحرار الشام الإسلامية التي كانت تقود المعارك في قمة النبي يونس ومرصد سولاس وبانياس؟
عبد الله علي - عربي برس
إضافة تعليق جديد