غرفة تجارة دمشق توضح آثار ومنعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية وتحدد أسلوب التحكم بسعر الصرف
أوضحت "غرفة تجارة دمشق" في مذكرة "حول آثار ومنعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية"، أن أهم منعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية يمكن تلخيصها بالتالي:
1. ارتفاع تكاليف عمليات الإنتاج والاستثمار نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
2. حدوث انكماش في العمل الاقتصادي، نتيجة تراجع أو توقف العديد من الصناعات الأساسية والمكمِّلة مما أدى لحدوث تراجعٍ كبير في الناتج المحلي الإجمالي، وفي معدلات النمو الاقتصادي.
3. ارتفاع أسعار المواد والسلع والخدمات في السوق المحلية، نتيجة ارتفاع تكاليف جميع المكّونات الصناعية والسلع النهائية المستوردة، مما قاد لتراجع القيمة الشرائية لليرة السورية وإلى تدهور حاد في متوسط الدخل الفردي، حيث سجل معدل التضخم في عام "2012" حوالي 23.1% ووصول الرقم القياسي العام للأسعار إلى "180" عام "2012" مقارنةً بـ 146 عام 2011.
4. حدوث فجوة متزايدة بين الكتلتين النقدية والسلعية نتيجة ارتفاع الأسعار العام، وتزايد العرض النقدي الذي نما بنسبة 21% عام 2012 مقارنة بعام 2011 مقابل معدل نمو سالب للناتج المحلي الإجمالي -4%، مما شكَّل عاملاً ضاغطاً إضافياً على أسعار السلع المتداولة، وإلى تراجع مستويات المعيشة.
5.تراجع عمليات الاستيراد والإنتاج وحتى المبيع في السوق المحلية، نتيجة عدم استقرار أسعار الصرف وتسجيل اتجاه صعودي لها بشكل مستمر، مما قاد إلى تغيرات حادة في تسعير السلع والخدمات، وإلى حدوث خسائر في تسليف الموزعين وأقنية التسويق المختلفة نتيجة هذا التأرجح في أسعار الصرف.
6. ازدياد ظاهرة الاكتناز بدافع التحوط من المستقبل، وتراجع عمليات ادخار الإفراد في القنوات الرسمية، وخروج كميات من القطع الأجنبي خارج التداول بدافع تعويض خسائر تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية، وهي تشكل ظاهرة سلبية مضرَّة للاقتصاد الوطني.
7.ازدياد ظاهرة "المضاربة" بالقطع الأجنبي، نتيجة الارتفاعات المستمرة لسعر الصرف والتي تحقق أرباحاً غير مبررة، في ظل عدم وجود قنوات أخرى لاستثمار الأموال الفائضة نتيجة الأزمة الحالية.
8. ازدياد كلف الشحن البحري والتأمين، بالنسبة للبضائع المصدرة إلى سورية مما يؤدي إلى ارتفاع تلقائي لأسعار المواد المستوردة.
9. ازدياد كلف ومخاطر النقل البري داخل سورية، نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات والقطع الأجنبي والحواجز، حيث وصلت ارتفاعات هذه الكلف إلى حوالي عشرة أضعاف، منذ بداية الأزمة وحتى الآن.
10.ارتفاع أسعار المحروقات والطاقة بجميع أشكالها، وانعكاس ذلك على عناصر تكلفة الأعمال التجارية والصناعية والخدمية والزراعية، حيث سجل الرقم القياسي للكهرباء والمحروقات نسبة زيادة 156% بين عام 2011- 2012، كما سجَّل زيادات أكبر مؤخراً في عام 2013، مما انعكس في زيادة أسعار منتجات جميع المنتجات المحلية الزراعية والصناعية وخدمات النقل والشحن.
11.تراجع في حجم الودائع المصرفية، نتيجة تدهور القيمة الشرائية للعملة المحلية بنسبة 10% بين عامي 2010 –2011 وإلى نسبة 19% خلال عامي الأزمة، وبصورة أكبر في مطلع عام 2013.
12. زيادة نسبة البطالة التي سجَّلت حوالي 30% بين عامي 2011- 2012، وإلى نسبة أكبر في عام 2013 نتيجة تراجع الأعمال والتشغيل.
13. تراجع احتياطيات "مصرف سورية المركزي" من القطع الأجنبي خلال عامي الأزمة، نتيجة محاولة التدخل في سوق القطع عبر عرض الدولار أو نتيجة الحاجة لتمويل مستوردات السلع الأساسية والمحروقات، حيث تشير الأرقام إلى تسجيل معدل نمو سلبي بنسبة 28% بين عامي 2011- 2012.
14.حدوث عجز في ميزان المدفوعات سجل ما نسبته 27.6% بين عامي 2011- 2012.
15.أخيراً إن منعكسات تراجع سعر صرف الليرة السورية لا يقتصر على النتائج المباشرة التي سبق ذكرها، بل مازال يؤثر بشكل سلبي أيضاً على مجمل مؤشرات الاقتصاد الكلي من "استثمار وادخار واستهلاك"، والتي سجَّلت تراجعاً كبيراً، بالإضافة إلى أثر ذلك على تراجع متوسط دخل الفرد في سورية نتيجة تراجع الناتج المحلي الإجمالي وإلى حدوث عجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وعلى مستوى أداء القطاعات الاقتصادية الرئيسية "صناعة- تجارة- زراعية – سياحة- خدمات- عقارات ...." التي سجلت انكماشاً حاداً.
وذكرت الغرفة أن الأسباب الرئيسية لتراجع سعر صرف الليرة السورية تتمثل بعدة عوامل هي:
1. قرارات المقاطعة والعقوبات الاقتصادية "الأوروبية والأمريكية والعربية" والعقوبات المصرفية، التي ساهمت جميعها في تراجع حصيلة القطع الأجنبي، من تصدير السلع الرئيسية سواءً النفط والمواد الخام الأخرى أو صادرات القطاع الخاص الصناعية، وفي ارتفاع كلف عمليات الاستيراد وتراجع التحويلات الخارجية.
2. صدور قرارات أتُخذت في بداية الأزمة وتم التراجع عنها بعد ذلك، ولكنها ألقت بثقلها على الوضع التجاري والنقدي وفي مقدمتها قرار تعليق استيراد السلع، التي تزيد نسب رسومها الجمركية عن 5% في 25/9/2011.
3.الوضع الأمني غير المستقر على الأرض، وتراجع حالة التعامل بالعملة الوطنية التي كانت موجودة قبل الأزمةْ، إما بفعل زيادة معدلات التضخم إلى ما فوق أسعار الفائدة وإما بفعل تحويل العملة الوطنية إلى دولار بدافع السفر والتحوط من المستقبل أو الاكتناز.
4. ازدياد عوامل الطلب على القطع الأجنبي مقابل تراجع، واضح للمعروض منه ومن أهمها نذكر:
من ناحية الطلب:
• تمويل المستوردات التي سجلت ارتفاعاً في عام 2011 بنسبة 18.8% عن عام "2010" قبل أن تعود لتنخفض في عام "2012" بشكل حاد بما نسبته 78.4% مقارنة بعام 2011.
• شراء الدولار من قبل الأفراد من غير التجار والصناعيين، بدافع المضاربة والاكتناز والتحوط من المستقبل وللحفاظ على قيمة مدخراتهم من التدهور، أو فقدان قيمتها الشرائية ولتمويل عمليات السفر خارج سورية، أو لتحويل الجزء الأكبر من حسابات المستثمرين ورجال الأعمال إلى الخارج نتيجة الوضع الاقتصادي والأمني غير المستقر.
من ناحية العرض:
• تراجع عائدات السياحة التي كانت تشكل قبل الأزمة حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي.
• تراجع الصادرات السورية الإجمالية بنسبة 11.2% بين عامي 2010-2011، وإلى تراجع حاد بنسبة 97% بين عامي 2011- 2012 وفق تقرير "هيئة ترويج الصادرات"، حيث سجلت في عام 2012 فقط 185 مليون دولار، نتيجة توقف الصادرات النفطية والتراجع الحاد في صادرات القطاع الخاص، نتيجة توقف العديد من المصانع وبخاصة المنتجة للألبسة والمواد الغذائية بالإضافة لزيادة الطلب المحلي عليها.
• تراجع تحويلات السوريين من الخارج لأسباب عديدة في مقدمتها سفر الكثير من العائلات السورية، التي كانت تحول لهم هذه الأموال إلى الخارج وإلى الوضع الأمني والاقتصادي غير المستقر.
• تراجع المبيعات الحكومية من النفط الخام والمواد الخام الزراعية والصناعية، نتيجة الوضع الأمني، ومشاكل النقل والشحن والعقوبات الاقتصادية المفروضة على الصادرات الحكومية والتي كانت رافداً كبيراً للقطع الأجنبي.
• ضعف عوائد الاستثمارات السورية في الخارج، وتجميد أرصدة وحسابات شركات حكومية عديدة.
وبالنسبة لمقترحات لتفعيل السياسة النقدية والتحكم بأسعار الصرف، فقد أوضحت "غرفة تجارة دمشق":
رغم أن التحكم بأسعار الصرف في ظل الأزمة الحالية يعتبر من الأمور الصعبة، إلا أن الاستخدام الفعَّال لأدوات السياسة النقدية والمتمثلة "بسعر إعادة الخصم- سعر الفائدة- حجم الائتمان- عمليات السوق المفتوحة- الاحتياطي القانوني- ..."، يعتبر من الأمور المطلوبة في هذه المرحلة للحد على الأقل من التدهور المستمر لصرف صرف الليرة السورية، وتخفيف من انعكاساتها السلبية على مجمل المؤشرات والقطاعات الاقتصادية.
ورغم أن نجاح هذه الفعَّالية، يتعلق بشكل كبير بعودة الثقة والطمأنينة بالدرجة الأولى والانفراجات السياسية المحلية والخارجية، إلا أن هناك مجموعة من التدابير التي يمكن إتبَّاعها لتحقيق استقرار معين لأسعار الصرف ومنها:
1. تدخل "المصرف المركزي" بصورة مباشرة لتخفيض سعر الصرف عند الضرورة فقط.
2. منح أصحاب الحسابات بالدولار لدى المصارف المحلية فائدة دائنة مغرية، لتوظيف أموالهم وعدم إبقائها خارج التداول "بهدف المضاربة فقط"، واستخدامها لتمويل المستوردات والأغراض الأخرى.
3.عدم الاستعمال الجائر لموجودات احتياطي القطع الأجنبي في "البنك المركزي".
4. التركيز على تقوية منابع الحصول على القطع الأجنبي، لزيادة العرض المتاح في السوق المحلية وهو اليوم يتركز على الصادرات.
5. إن الطلب على الدولار حالياً في السوق المحلية لا يعكس أبداً حاجات الاستيراد التي تراجعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وخاصة للسلع غير الأساسية، والطلب يتركز اليوم على دوافع المضاربة والاكتناز والتحوط وتمويل الهجرة، وهي حالات بحاجة للمعالجة بصورة مباشرة وجذرية وبطرق اقتصادية بحتة من خلال فتح قنوات جديدة للادخار والاستثمار، ومن خلال الاستثمار في البورصة وتشجيع نقل الورشات والمعامل للمناطق الأكثر أمناً.
6.الطلب من المصارف المحلية "الخاصة والعامة" الدخول في عمليات بيع وشراء القطع الأجنبي، لأن هذه المصارف يدخل في صلب عملها تأمين احتياجات الأفراد من القطع الأجنبي، ومنها تمويل عمليات الاستيراد بعكس المضاربين الذين يحتفظون بالدولار لأغراض غير تجارية.
7.تمويل عمليات الاستيراد دون تمييز بين تاجرٍ وصناعي عبر المصارف المأذونة، بالعمل في سورية فقط ولها أن تستعين بصديق عند الضرورة.
8. التركيز على رفع وتنشيط الكتلة السلعية من إنتاج "زراعي - صناعي- ورشات صغيرة"، لخلق نوع من التوازن ما بين الكتلتين النقدية والسلعية، ومنح هذه القطاعات أقصى درجات الدعم والتسهيل.
9.التركيز على دعم الاقتصاد الحقيقي والإنتاج،ي لأن سعر الصرف عادةً يعبر عن قوة هذا الاقتصاد، كما هو يعبر عن حصيلة قوى العرض والطلب على القطع الأجنبي.
10.العمل على استهداف التضخم كأحد وسائل التحكم بأسعار الصرف من خلال معالجة الخلل في التوازن الداخلي، باعتبار أن عجز ميزان المدفوعات يضغط على سعر الصرف وأن عجز الموازنة يضغط على الأسعار، ومن هنا يجب التركيز على تفعيل الادخار ليتساوى مع الاستثمار، وتفعيل الإنتاج والتصدير لتخفيف عجز الميزان التجاري لمحاولة الخروج من حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد السوري.
11.ترشيد الطلب على القطع الأجنبي من خلال وضع سلم أولويات لتمويل المستوردات حسب ضرورتها "مواد أولية للصناعة- مواد أولية للصناعة الدوائية- مستلزمات الإنتاج- المواد الغذائية الأساسية ".
12. تخفيض النفقات الحكومية الجارية وبخاصة التي بحاجة لقطع أجنبي وترشيد الاستهلاك.
13. تفعيل دور "مجلس النقد والتسليف" وفق القانون رقم 23 لعام 2002 والمرسومين 21-249 لعام 2011، الناظمة لعمله مع لحظ تمثيل أصحاب العمل والخبراء المختصين في المجال النقدي، ليكون هذا المجلس صاحب القرار الرئيسي في السياسة النقدية.
14.إصدار تشريع لضمان الحد الأدنى للوديعة المصرفية لصغار المودعين لحمايتهم، وتشجيعهم على إعادة مدخراتهم للمصارف المحلية، مع تعديل معدلات الفوائد لتخفيف الضغط على تحويل هذه المدخرات نحو القطع الأجنبي والذهب.
15. دراسة إمكانية رفع أسعار الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية، مع تحديد مبلغ الودائع التي تكون عليها زيادة في الفائدة بمبلغ 10000 دولار كحد أدنى، وتدفع لمدة 6 أشهر على الأقل.
16. إبرام اتفاقيات مقايضة مع الدول الصديقة لسورية كروسيا وإيران وفنزويلا والصين، لتبادل السلع دون الحاجة لاستنزاف القطع الأجنبي.
17. حصر التصريحات الاقتصادية بشخص رئيس "مجلس الوزراء".
وعرضت المذكرة مقدمة حول أسعار الصرف، وذكرت أن أسعار صرف القطع الأجنبي في سورية وبخاصة أمام الدولار اتصفت خلال فترة ما قبل الأزمة بالاستقرار النسبي، الذي انعكس إيجاباً على مجمل المؤشرات الاقتصادية الكلية والقطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث تراوح سعر صرف الدولار ما بين 47.10 ل.س في 1/6/2012 إلى 46.98 ل.س في 30/12/2010، مروراً بسعر 46.75 ل.س في 1/8/2010 و46.25 ل.س في 2/10/2012، وهذا السعر كان انعكاساً حقيقياً لنشاط الاقتصاد السوري خلال هذه المرحلة من جهة، ولحصيلة قوى العرض والطلب على القطع الأجنبي من جهة أخرى.
ومع بداية الأزمة في عام 2011، بدأ سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية بالارتفاع حيث سجل ما بين 50 و57 ل.س حتى نهاية 2011، وهذا الارتفاع كان نتيجة استمرار وجود بعض عوامل قوة للاقتصاد السوري من ناحية "التصدير- السياحة- الصناعة- التحويلات الخارجية...."، بالإضافة لتدخلات "المصرف المركزي"، في جانب عرض الدولار لإبقاء نوع من التوازن في سوق الصرف، إلا أن بداية تراجع سعر الصرف تعمَّق في عامي 2012 و 2013، حيث سجل في عام 2012 ارتفاعات وصلت إلى 108 ل.س في شباط، في حين تراوح وسطي أسعاره في ذلك العام ما بين 70- 99 ل.س.
أما في عام 2013 فقد سجل هذا السعر أرقاماً غير مسبوقة، حيث وصل سعر الصرف في السوق غير النظامية إلى حوالي 150 ل.س في شهر أيار، أي بارتفاع حوالي 200% عما كان عليه ببداية الأزمة.
أما السعر الرسمي للصرف فقد سجل أيضاً ارتفاعات بدأت في عام 2011 بسعر 47.13 بتاريخ 1/3/2011، ليصل إلى 55.89 ل.س في 28/12/2011 ثم إلى 68.42 ل.س في 1/10/2012 وإلى 77,74 ل.س في 31/12/2012، ليسجل في عام 2013 "79.78" ل.س في كانون الثاني، ثم إلى 93.11 ل.س في شهر نيسان.
ولفتت الغرفة أن هذا يشير إلى أن الأسعار الرسمية كانت أيضاً عاملاً ضاغطاً لارتفاع الأسعار في السوق غير النظامية، وتحاول اللحاق بها دون أن تستطيع تخفيض تلك الأسعار، وقد ساهمت الإجراءات الصادرة عن "مصرف سورية المركزي" منذ بداية الأزمة وحتى الآن من غير قصد في تعميق عدم استقرار سعر الصرف، سواءً من خلال التصريحات المتناقضة والمتكررة حول احتياطات سورية من القطع الأجنبي أو في تنشيط ظاهرتي الاكتناز والمضاربةْ، من خلال السماح لجميع الأفراد بشراء عشرة آلاف دولار بالسعر الرسمي في بداية الأزمة، والتغيرات المستمرة لآليات تمويل المستوردات وهذا ما خلق مناخاً غير مستقر لاستمرار الأعمال التجارية والصناعية والاستثمارية.
رئيس "غرفة تجارة دمشق"
محمد غسان القلاع
المصدر: الاقتصادي
إضافة تعليق جديد