رحيل موريس نادو.. نهاية عصر
غيّب الموت نهار الأحد الماضي، الكاتب والناشر والناقد الفرنسي موريس نادو، عن مئة وعامين، بقي فيها مع الورق والكتب والقراءة لغاية اللحظة الأخيرة من عمره. برحيله، ثمة عصر كامل من الأدب، يبدو أنه يختفي وراءه، لكنه عصر شهد عليه وشهد على تطلبه الأدبي الذي لم يتوقف لغاية الموت. على الأقل هذا ما تخبرنا به المجلة التي أسسها والتي بقي يشرف عليها طيلة الوقت، أقصد «لاكانزان ليتيرير»، التي بقيت واحدة من أبرز المجلات الأدبية، التي لم تسقط في فخ السهولة والإعلان، أي بقيت وفيّة للأدب «الحقيقي» الذي دافعت عنه، مبعدة عنها الأدب السهل والجماهيري، لتبقى مرجعا حقيقيا لا للأدب الفرنسي المعاصر وحده، بل أيضا للأدب العالمي، إذ عرفت كيف تقدم الكثير من الأصوات، التي كانت مجهولة، لتصبح أصواتا حاضرة في المشهد الكتابي. في عددها الأول، نشر نادو نصا (غير منشور) لبيكيت، مقالا عن لوكليزيو، مقالا لبارت، الخ، أما العدد الأخير (1 15 حزيران الحالي) فحمل العناوين التالية: «كيف نقرأ مونتاني؟»، «ما هو الأدب الحديث؟»، «إلى أي وليمة دعانا إليها كيركغارد؟» الخ... أي طيلة عمرها بقيت هذه المجلة تطرح أسئلة جدية في الثقافة والأدب.
بالتأكيد كان وراء نجاح هذه المجلة (وإن عرفت صعوبة مالية في الفترة الأخيرة) موريس نادو، الذي بقي يدافع عن فكرة للأدب لم تعد كثيرة الحضور في عصور الاستهلاك الجديدة التي ترتجي السرعة والنجومية الفارغة. هكذا أيضا، كانت دار النشر التي أسسها، وعلى الرغم من الأسماء التي قدمتها، والتي أصبحت أسماء مهمة في ما بعد، بقيت دارا بعيدة عن «اقتصاد السوق» ولا ترتجي اللعب في حقل الجوائز الأدبية. تخيلوا مثلا الأسماء التي قدمتها داره: رولان بارت، لو كليزيو، أرابال، جورج باتاي، رينيه شار، سيوران وغيرهم كثيرين بالإضافة إلى الأسماء التي ترجمتها للمرة الأولى إلى الفرنسية والتي أتاحت للقارئ الفرنسي أن يتعرف على بيكيت، والتر بنيامين، كوتزي، لورانس داريل الخ...
ولد موريس نادو في 21 أيار من العام 1911، وتابع دروسه في الإيكول نورمال، حيث اكتشف فيها السياسة. في العام 1930 انتسب إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، لكن سرعان ما طرد منه بعد سنتين. بعد هذا الطرد، بدأ بقراءة لينين وتروتسكي، فانحاز الى التروتسكيين وإلى الرابطة الشيوعية التي بقي فيها لمدة 15 سنة، وخلال هذه الفترة بدأت صداقاته مع أراغون وبروتون وبريفير وبنجامان بيريه. ومعهم بدأت حقبة طويلة من الكتابة والنقاش، ولا يزال كتابه «تاريخ السوريالية» يشكل مرجعا مهما حول هذه الحركة الأدبية، على الرغم من أن بروتون لم يستسغ الكتاب كثيرا.
عمل في الصحافة، في «لو كومبا» مع ألبير كامو، ومن ثمّ في «ليبيراسيون» التي أمضى فيها سبع سنوات مسؤولا عن أقسامها الثقافية، لكنه أيضا أصدر العديد من الكتب التي تراوحت بين النقد الأدبي والسيرة الذاتية كما سيّر لكتّاب عرفهم.
خارطة مهولة من الأسماء، تنبثق حين يتذكر المرء نادو، لقد عاش في عصر عرف العديد من التحولات ومن الأسماء، وعرف كيف يبقى داخل عصوره كلها التي اجتازها، ولم يكن ذلك إلا بفضل الأدب الذي أخلص له حتى اللحظة الأخيرة.
إسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد