«الجماعة الإسلامية» في لبنان تحت تأثير الصدمة
مع وصول الدكتور محمد مرسي الى سدة الرئاسة في مصر، قيل في لبنان: «إن الجماعة الاسلامية قبل مرسي ليست كما بعده»، خصوصا أنها تعتبر امتدادا لـ«حركة الإخوان المسلمين» في العالم.
وبالفعل فقد حصلت الجماعة على جرعات دعم معنوية بوصول الإخوان الى سدة الحكم في مصر، وانعكس ذلك بوضوح على أدائها ضمن الساحة الإسلامية، خصوصا على الساحة اللبنانية عموما، لا سيما بعد انتخاباتها الداخلية التي أعادت بناء الهيكلية التنظيمية وأسست لانطلاقة قوية ترجمت في أكثر من محطة، وكان آخرها في صيدا بعد إطاحة الحالة الأسيرية.
وشكل السلوك السياسي للجماعة في لبنان خلال الفترة الماضية، انعكاسا طبيعيا لتنامي «حركة الإخوان المسلمين» في مصر، فتطور حراكها الداعم للمعارضة السورية على وقع مواقف مرسي من النظام هناك، ودخلت في قطيعة تامة مع «حزب الله» على خلفية مشاركته في القتال الدائر في سوريا، بعد أن حافظت طيلة الفترة الماضية على الاجتماعات التشاورية الشهرية معه.
كما بدأت بطرح نفسها كمرجعية وسطية لها الأفضلية ضمن الساحة الإسلامية في لبنان، وهي طرحت سلسلة مبادرات سياسية على المرجعيات اللبنانية لحل جوانب من الأزمة الداخلية، انطلاقا من الدور الجديد الذي كانت تطمح اليه.
أمس بدت قيادة الجماعة الإسلامية تحت تأثير الصدمة، مع السقوط غير المتوقع والسريع لحكم «الإخوان» في مصر، لكنها في الوقت نفسه حاولت استيعاب ما جرى والتخفيف من وطأته وحصره في الشق المعنوي، لأن الجماعة، وإن كانت تشكل امتدادا لحركة الإخوان في العالم، إلا أن هذه الحركة ليست تنظيما عالميا يأتمر بقيادة مركزية، إنما هي مدرسة فكرية بقرارات قطرية مستقلة تنبع من قراءة المصلحة الوطنية في كل بلد.
لذلك ترى قيادة الجماعة أن سقوط حكم الإخوان لن يكون له تأثير جوهري على حركتها في لبنان التي تستمدها من حضورها التاريخي وليس من أي مصدر خارجي، «لأن قراراتنا غير مرتبطة بوضع الإخوان في مصر أو في أي بلد آخر، أو بالرئيس محمد مرسي شخصيا، بل هو رهن بمعطى سياسي داخلي قائم على التوازنات، ومن هنا فإن أي تغيير يحصل في أي مكان، لا يمكن أن يؤثر على مواقفنا السياسية التي نحاكي بها مصلحة لبنان العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي». معتبرة أن «الانقلاب» الذي شهدته مصر سيكون له مفعول عكسي، وسيساهم في ترسيخ حالة «الإخوان المسلمين» في العالم.
ويقول المسؤول السياسي للجماعة الاسلامية في لبنان عزام الأيوبي :«إن ما جرى في مصر هو انقلاب عسكري موصوف، مغطى ببعض الوجوه المدنية والقيادات الدينية، وهو انقلاب على الشرعية الدستورية وعلى الممارسة الديموقراطية التي شهد لها كل العالم في مصر، وهذا بالطبع لن ينهي الثورة المصرية، بل سيزيدها إصراراً على المضي قدما في العمل، لبناء النظام المصري المدني الذي يمثل الشعب بكل أطيافه».
وعن تأثير ذلك على الجماعة في لبنان يقول: «لن يكون هناك تأثير مباشر على الجماعة الاسلامية في لبنان، بل سيزيدها تمسكا بمنهجها السلمي والوسطي الذي لطالما اعتمدته، وسيزيد من قناعتها بأن من يعتمد على الله وعلى إرادة الشعب، هو أقوى من كل القوى المتسلحة بالغطرسة والاستكبار».
ويرى الأيوبي أن العلاقات القائمة ضمن الساحة اللبنانية لها اعتباراتها المستقلة، بغض النظر عما يجري في مصر أو في غيرها، لكنه انتقد مواقف بعض القوى السياسية، على اختلاف انتماءاتها حول ما حصل في مصر، مؤكدا أن ذلك سيكون له اعتبار لدى «الجماعة» مستقبلا في تقييم حقيقة نظرة كل فريق سياسي للديموقراطية الحقيقية وقواعد اللعبة السياسية، مستغربا التقاء مختلف هذه القوى إما على المباركة أو على التحصن بالصمت، مشددا على أن «الجماعة» لن تقدم تنازلات في الأمور المبدئية والقناعات، أما على الصعيد السياسي فكل العلاقات رهن بالمسار السياسي المحلي، وليس نتيجة قوة أو ضعف لأي جهة خارجية.
ولفت الأيوبي الانتباه الى أن «الثورة السورية خسرت ظهيراً مهماً في الساحة المصرية، لا سيما بعد الموقف الأخير للدكتور محمد مرسي من النظام، لكن هذا لا يعني أن الثورة السورية ستنكسر نتيجة الانقلاب في مصر، لأنها كانت وستبقى معتمدة على سواعد الثوار السوريين أولا وأخيرا».
وعن علاقة الجماعة بالحالة السلفية في لبنان بعد الموقف الداعم لعزل مرسي من «حزب النور الاسلامي»، يؤكد الأيوبي أن «حزب النور» لا يمثل أغلبية الساحة السلفية في مصر، وهو بعد جملة ممارسات فقد كثيرا من رصيده، مشددا على أن «السلفيين في مصر مع شرعية الرئيس محمد مرسي، وما حصل لا يمكن أن يؤثر على العلاقة مع السلفيين الذين ندرك أن الأكثرية الساحقة منهم ليسوا مع الانقلابيين».
وتخوف الأيوبي من أن يؤدي هذا الانقلاب الى حرب أهلية في مصر، «لأن الشعب قدم شهداء للتخلص من حكم العسكر، وقد فوجئ بعودته من بوابة ثانية».
غسان ريفي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد