«الكوميديا السوداء» لبسام كوسا.. تخطّي الظروف
لم يتوقف برنامج عروض المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، رغم أنه نال نصيبه الوافر من القصف العشوائي بقذائف الهاون والسيارات المفخخة، ما أصاب مبنى المعهد في ساحة الأمويين في قلب العاصمة السورية بأضرار جسيمة، «أُصيبت الواجهة الزجاجية للمعهد ودار الأوبرا في التفجير الذي شنته المعارضة على هيئة الأركان العامة منــذ عــدة أشــهر»، ما شكّل مـعوقــات كبــيرة أمــام طاقـم التـدريس والطـلبة في آنٍ معاً؛
صعوبات كثيرة أُلقيت على عاتق عميد المعهد الفنان سامر عمران الذي أعلن في صفحته الشخصية على «فيس بوك» مبادرة ترميم الخراب الذي لحق بمبنى الفنون المسرحية، فإضافةً إلى أن الكادر التدريسي للمعهد كان يتناقص يوماً بعد يوم بسبب هجرة بعض رؤساء الأقسام خارج البلاد، «أبرزهم ماهر هربش مدير قسم التقنيات»، توقف أيضاً عرض مسرحية «المختبر الثاني عشر» إشــراف الكريوغراف «معــتز مــلاطي ليه»، مشروع تخرّج طلاب الرقص التعبيري في المعــهد، بسـبب انقطاع التيار الكهربائي عن مدينة دمشق بكاملها منذ أسبوعين، ليأتي مشروع تخرج طلاب قسم التمثيل بعنوان «الكوميديا السوداء»، افتتحت عروضها على مسرح الحمراء (1-7 تموز الجاري) عـن نص لبـيتر شـافر، المسرحية التي كتبها رائد الغرابة بالإنكليزية عام 1965 تصدى لها هذه المرة الفنان بسام كوسا؛ مشرفاً على طلابه العشرة لنيل درجة إجازة في التمثيل المسرحي.
يذهب عرض «الكوميديا السوداء» نحو نظرة غاية في الطرافة على حماقات مجموعة من الشخصيات التي تتحسس طريقها في غرفة داكنة الظلمة؛ فرغم أن خشبة المسرح في الواقع تكون غارقة بالأضواء الساطعة إلا أن حكاية «بريندسيلي»، أدى الدور طارق عبدو، الفنان الشاب الذي يقوم بترتيب لقاء مع خطيبته «كارول»، أدت الدور نانسي الخوري، لزيارة أحد الأثرياء له في بيته من أجل شراء أعماله التشكيلية.
تتكشف القصة بعد قليل حين يعرف المدعوون أنه قام بخداع الجميع، وباستعارة أثاث شقة جاره، وذلك بعد وصول عشيقته من السفر «كليا»، أدت الدور آلاء مصري زادة، إلى المكان ووالد خطيبته الجنرال المتقاعد «ملكيت»، أدى الدور غابرييل المالكي، إضافة إلى جارته المرأة المتصابية «الآنسة فرينفال»، أدت الدور نورا العايق؛ حيث ترتطم هذه الشخصيات بكم كبير من المواقف والمفارقات المضحكة بناء على انقطاع الكهرباء.
الفرضية التي بنى عليها كاتب الـنص مواقفه الساخرة من كذب المثقفين وانهيار قيم الطبقة الوسطى وتحول أفرادها من ذوات إلى موضوعات؛ فضلاً عن نفاق أصحاب المال وعلاقات الحب العابرة في فضاء غميضة من التخفي في العتمة.
لقد قدمت هذه التجربة التي خاضها الفنان بسام كوسا (ساعده في الإخراج عمر أبو سعدا) بتفانٍ كبير مع طلاب التمثيل؛ مساحة رحبة لهؤلاء كي يصلوا إلى مهارات أداء أضيفت إلى خبراتهم التي تلقوها في السنوات السابقة؛ فعبر إنتاج «الأنا الخالقة» لأنا «الشخصية المبُتكرة» عند الممثل؛ تمخضت مساحات واسعة من اللعب الحر والمتواصل مع الممثل الشريك؛ ووفق سينوغرافيا وسام درويش وموسيقى رعد خلف؛ بعيداً عن المونولوجات المنفصلة؛ أو المونودرامات المتجاورة لممثلين يؤدون أدوارهم كلاً على حدة. الأسلوب الذي اتبعه العديد من مشرفي مشاريع التخرج في السنوات السابقة، حيث عامل بسام كوسا طلابه على أنهم على عتبة الاحتراف، خارجاً بهم لمواجهة الجمهور لأول مرة، بعيداً عن وسائل الإعلام الرسمية التي اجتنبت إعداد تقارير رسمية عن العرض؛ بعد أخبار تفيد عن عدم رغبة مخرج العرض في التصريح لوسائل إعلام النظام، والتفرغ نهائياً للأخذ بيد طلاب تخلى عنهم معظم أساتذتهم، ليتصدى نجم من نجوم الدراما التلفزيونية لهذه المهمة.
سامر محمد إسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد