"تُرَهات من أجل مجزرة" (2)
الجمل- لوي- فيردينان سيلين- إعداد وترجمة: د. مالك سلمان:
لوي- فيردينان "سيلين" (اسمه الحقيقي لوي- فيردينان أوغست ديتوش) روائي وطبيب وكاتب كراسات سياسية فرنسي (1894- 1961). من أهم رواياته "رحلة إلى آخر الليل" (1932), "الموت بالتقسيط" (1936), "بين القصرين" (1957), و "ريغادون" (انتهى من كتابتها في سنة وفاته ونشرت في سنة 1969). كتب ثلاثة كراسات سياسية: "ترهات لأجل مجزرة" (1937), "مدرسة الجيَف" (1938), و "الفوضى الجميلة" (1941)؛ انتقد في الكراس الأول اليهود وتأثيرهم على المجتمع الفرنسي, وقارن في الكراس الثاني بين هتلر والحزب الشيوعي الفرنسي, وعاد في الكراس الثالث إلى الموضوع اليهودي.
أكثر ما يميز سيلين الروائي هو استخدامه الدينامي للغة الفرنسية المحكية وأسلوبه المتفجر, حتى قيلَ إنه ابتدعَ لغة ثالثة بين الفصحى والعامية. يعتبر واحداً من أهم روائيي القرن العشرين. اعتبره الكاتب الفرنسي جان جنيه أستاذه.
اتهم, بعد نشر الكراسات السياسية, بمعاداة السامية والتعصب والعرقية, ومن يومها أصبح اسماً محرماً في الثقافة الغربية. مترجم "ترهات لأجل مجزرة" غير معروف, أما الكراسان الآخران فلم يترجما عن الفرنسية.
التالي مقتطفات مختارة ومعدة من "ترهات لأجل مجزرة" ترجمتها عن "الترجمة الإنكليزية".
"من يموت دون أن يصفي حساباته كلها شخص شرير لن يذهب إلى الجنة"
... الأفكار الجيدة لا تنبع إلا من الحقيقة, من الصدق, والأفكار التي تنبثق من الكذب لا تتمتع بأي سمو أو زخم. لكن لا أحد يبالي ... لم يعد للعالم لحن. لا يزال هناك فولكلور, الهمهمات الأخيرة للفولكلور, التي تهز سريرَنا ... وبعد أن تتوقف, سوف يعم الليل ... وطبولُ الزنوج. الأفكار الجيدة تولد في الجسد, وليس في العقل أبداً. لا شيء ينبع من العقل سوى الأكاذيب. الحياة كما يراها العقل لا تزيد قيمتها عن قيمة الحياة كما تراها سمكة ذهبية. إنها حديقة رسمية.
الدفاع الوحيد, المورد الوحيد للإنسان الأبيض ضد الروبوتية الجمالية, وضد الحرب, والانتكاس إلى الأسوأ, إلى ماهو أسوأ بكثير من القرود وسكان الكهوف, يكمن في العودة إلى إيقاعه الطبيعي الخاص به. اليهود المختونون في طريقهم إلى إخصاء الإنسان الآري وتجريده من إيقاعه الانفعالي الطبيعي. اليهودي الزنجي في طريقه إلى إرغام الإنسان الآري على الانهيار في الشيوعية والفن الآلي, في العقلية الموضوعية للعبيد الخالصين لليهود. (اليهودي هو زنجي, والعرق السامي غير موجود, إنه اختراع ماسوني, فاليهودي عبارة عن هجين بين الزنوج والبرابرة الآسيويين.) اليهود هم الأعداء الطبيعيون للانفعال الآري, الذي يستحيل عليهم احتماله. اليهود لا يختبرون الانفعالات, بالمعنى الذي نفهمه نحن, فهم أبناء شمس الصحراء, والبلح, وقرع الطبول ... كل ما بمقدورهم أن يفعلوه هو أن يكرهونا كرهاً شديداً ... بروحهم الزنجية, يكرهون كلَ غرائزنا الانفعالية ... لن يكونَ بمقدور اليهودي أن يتمثلَ الأشياءَ ويهضمَها, فهو يقلد, ويلوث, ويكره ... مع نهاية عرضه التهريجي, وعلى الرغم من تقلصاته كلها, يبقى اليهوديُ أشبه بلوح خشب منه إلى كمان ... محصناً ضد أمواج الحدس ... مليئاً حتى الجنون بالادعاء والغرور. وبعد ذلك كله, وبوقاحة لا تُضاهى, ينصب نفسَه ناقداً.
(ص: 138- 139)
* * *
... سوف تكون مخطئاً إن اعتقدتَ أنني أنظر إلى نفسي كنموذج, آملاً أن يقلدَني الآخرون! ... بالطبع, أنا أصنع موسيقايَ الصغيرة [هكذا يشير سيلين إلى أسلوبه في الكتابة], وأولئك الذين يمكنهم أن يقولوا الشيءَ نفسَه لم يعودوا كثيرين في هذه الأيام ... حتى أن عددهم يتناقص بشكل كبير, نتيجة الآلات والإرهاق الذهني والإخصاء المحموم. هذا يمنعني من الشعور بالغيرة ... أترك الغيرة للآخرين. إنها لا تناسبني أبداً ... أنا أنطلق من مبدأ في تهجمي القاسي على الآخرين. هذا كل ما في الأمر. التحديات, الدَجل, الأسماء المزيفة, لا أحب أياً من هذه الأشياء. أشعر بالصدمة والدهشة من كل هؤلاء القادمين. إنه حقي. أدرك تماماً أن فنَ [آندريه] جيد, الذي جاء بعد فن [أوسكار] وايلد, الذي جاء بعد فن [مارسيل] بروست, يشكل جزأ من استمرارية الخطة اليهودية الكبيرة الشرسة. اجتذاب الأوروبيين من غير اليهود, أو من الأفضل القول اللواط بهم. بهدف إفساد النخبة غير اليهودية والبرجوازيين من غير اليهود, من خلال الاعتذار عن كل شكل من أشكال الانحراف, والعجرفة والتعالي, وتوتيرهم, وإصابتهم بعدوى الغانغرينا, والسخرية منهم إلى درجة أن كلَ حركة تقوم بها البروليتاريا, التي سيكون اليهود قد خدَروها سلفاً بشكل كامل ومدروس وشحنوها بالحسد والحقد, سوف تجعل تلك النخبة المفترَضة ترمي بكل شيء في المجارير ... تصريف جيد للدم, وينتهي كل شيء! ... تجرفه المجارير! ... ومن ثم الانتصار! ...
... جميع أولئك الذين يتمتعون بالكياسة مغفلون. لا يوجد شخص أكثر كياسة من الجلاد ... حالما يبدأ المرء في التفكير فيما كانت هذه الصفة أو تلك مناسبة أكثر, فسوف تأتي جافة, مثل ضربة هراوة, عندما تصل إلى القلم ...
الخشونة غير محتملة إلا في اللغة المحكية الحية, وليس هناك أصعب من السيطرة على اللغة الحية وتوجيهها وتحويلها, اللغة العامية, لغة الانفعالات العاطفية, اللغة الصادقة الوحيدة, إلى لغة مكتوبة, وتثبيتها دون قتلها ... حاول أن تفعلَ ذلك ... وسرعانَ ما ستواجه "المشكلة التقنية" العويصة التي ينهار أمامها غالبية الكتاب, الأصعب بألف مرة من أشكال الكتابة المسماة "الفنية" أو "السلسة", أو "القياسية" المفتعلة والمفصلة على مقاسات دقيقة, التي يتم تدريسها في دروس النحو في المدارس ... ڤيون كان سيدَ هذا النوع من اللغة, بلا منازع. مونتان, المليء بالادعاءات في هذا المجال, كتب بالطريقة المغايرة تماماً, الطريقة اليهودية ... مثل [أناتول] فرانس قبل حينه, ما قبل-بر وستي ...
حالما تشعر أنك شخص "عادي", في كيانك وفي علاقاتك, فإن أفضل شيء تفعله على الإطلاق هو التمسك بالسلوك الجيد, امتهان "سلاسة ‘تتسم بدقة أنيقة, وتوازن رقيق, وتهذيب هائل, الأسلوب الكوليتي [نسبة إلى كوليت]’." كل هذه "الأساليب الرائعة" ستكون ملك يديك ...
... سواء كتبَ المرءُ عن الخراء أو المعاتيه, لا شيء بحد ذاته, بطبيعته, بذيء أو سوقي. السوقية, أيها السيدات والسادة, تنبع من الوجدان والعاطفة, جميع أنواع السوقية! جميع أنواع البذاءة! من الوجدان والعاطفة تبدأ! الكتاب, المعرَضون للتوبيخ والتقريع في هذه الأيام, المهوَدون والمروَضون حتى النخاع منذ عصر النهضة, ودون انقطاع, وفي خط متواز مع الكاتبات النساء, فعلوا كلَ ما في وسعهم من أجل كل ما هو "رقيق", و "منطقي", و "إنساني" ... كما يسمونه ... وفي هذا الاتجاه, لا يجدون شيئاً أكثر إقناعاً, أكثر حسماً, من الكتابة عن محن وآلام الحب ... الحب ... لأجل الحب ... من قبل الحب ... إذ إن شفاهَ هؤلاء المعاتيه, الخنازير, المزيفين, مليئة بهذا "الحب" ...
يعتقد هؤلاء أن خلاصَهم يكمن في الكتابة عن الحب إلى درجة اللعنة, في إنتاج أطنان من كلمات الحب ... هذه الكلمة الشنيعة! ... هذه القمامة الشريرة! الكلمة الأكثر قذارة, والأكثر سوقية, والأكثر بذاءة في القاموس! بالإضافة إلى كلمة "القلب" ...
... بصراحة, هناك بذاءة واحدة فقط. لكنها أولية, متصلبة, ومفسدة من الناحية البيولوجية إلى درجة لامتناهية, هذه العبارة التي تؤدي إلى التعفن: "كلمني عن الحب". لا شيء يستطيع مقاومتها! كل من يكتشفون أنفسهم فيها يصبحون, خلال وقت قصير جداً, فاسدين, طعاماً للديدان, وحمقى كما لم يكونوا من قبل قط ...
(ص: 156- 160)
* * *
... في أحد هذه المساءات, قريباً جداً, سوف يتداعى المسرحُ بأكمله, دون أن يصدرَ أي قرقعة في لجة السينما! ... هذه الخرية الملتوية! عبر المجرور العملاق, في الخزان العام! في "الانجذاب الكوني". يمكنك أن ترى تلك التيارات المتلاطمة من النجيمات (وكلهن عبقريات مسرحية كبيرة, على ما يبدو) المفعمة بالنشاط في الأشهر الأخيرة, بين هوليود, وموسكو, والعواصم الأوروبية ... كلهن مشاركات في استعمار السينما اليهودية للعالم ... كل واحدة منهنَ تجلب معها إلى هوليود خيانتها الصغيرة الخاصة بها, برنامجها الحميمي الصغير, غدرَها الصغير, يملؤها القلق والحماس لإرضاء بن- ماير و بن- زوكور [لإشارة إلى لويس بن- ماير وأدولف زوكور] ... تتحرق لمنحهما تفاهة عاطفية أخرى, مسروقة من الفنون الأصلية, من الفنون الآرية, بهدف تحويل ذلك العفن اليهودي المصوَر إلى شيء مقبول أكثر ...
... لاحظ كيف أن جميع الأفلام الفرنسية, والإنكليزية, والأمريكية, الأفلام اليهودية, غارقة في التحيز, دوماً, حتى الأفلام الأكثر براءة والأكثر غزلية! ... الأكثر تاريخية, والأكثر مثالية ... فلو أنها لا تخدم مجدَ إسرائيل العظيم لما كانت موجودة ولما كان تمَ إنتاجها ... وذلك تحت أقنعة مختلفة: الديمقراطية, المساواة العرقية, كراهية "التحيزات الوطنية", إلغاء الامتيازات, مسيرة التقدم, إلخ ... في جوهر الأمر, كافة جيوش الأساطير الديمقراطية ... التي تهدف في المقام الأول إلى الإمعان في تخدير عقل الأوروبي غير اليهودي, وإقناعه بأسرع وقت ممكن للتخلص من جميع تقاليده, وجميع محرماته البائسة, و "خرافاته", وأديانه, والاستغناء عن ماضيه كله, عن عرقه وإيقاعه الخاص به, وكل ذلك لصالح المثل اليهودي. لكي تخلق في داخله ذوقاً قوياً ميالاً إلى كل ما هو يهودي ...
سوف تلاحظ أن اليهودي في الأفلام, من حيث تصوير "الشخصية اليهودية", لا يظهر أمام أعيننا أبداً إلا في صورة الشخصية الحساسة, "المضطهدة", التي تذهب ضحية الأحداث الطاحنة, بمحض الصدفة القاتلة, وفوق كل شيء من جراء وحشية الآريين (انظروا إلى تشابلن) ... "يبكي على شيء يأكله" بإعجاب! الفكاهة اليهودية أحادية الجانب دائماً, موجهة دوماً ضد المؤسسات الآرية؛ لا يصورون ذلك اليهودي الجشع, النهم, الصفراوي, الأشبه بالعقاب, أو ذلك اليهودي المتعجرف, أو الكسول المتعثر, إنه قادر على تحويل نفسه, بشكل لا يعرف الملل, وتفكيك نفسه, وإدخال نفسه في الحياة اليومية لكل عصر, تبعاً لحاجات الغزو ...
... تحليل الإنسان الآري, طحنُ الإنسان الآري! وليس اليهود أبداً! كافة الأفلام اليهودية مليئة بإشارات تهدف إلى تشويه سمعة الإنسان الآري, أما المدائح فتكال دوماً لليهودي. هذه هي القاعدة ... لا يقدمون لنا ماهية الإنسان اليهودي أبداً: هذه الكوليرا العرقية المفسدة, المتصلة بكافة مسامات كيانها بالحاضنة اليهودية التي تقف وراء كل تعويذة شريرة, في كل عصر, في كافة أرجاء المعمورة ... وهذا ما يصيبني باليأس والإحباط ! ذلك اليهودي الصغير الذي ترغب في رؤيته على الشاشة. (ص: 162- 166)
الجمل
إضافة تعليق جديد