«اليوميات» لأناييس نن تراثنا عامر بتخطي المحرمات
غالباً ما نطرح على أنفسنا سؤال الترجمة، وسؤال الكتب التي نترجمها، كما السؤال الأساسي عن دقة النص العربي الذي بين أيدينا. لنستثني هذا السؤال الأخير مع الكتاب الصادر حديثاً عن «دار المدى» بعنوان «اليوميات» لأناييس نن التي تختار فيه الكاتبة العراقية لطفية الدليمي بعضاً منها، (بعضاً من هذه اليوميات)، لتقدمها إلى القارئ العربي، إذ نكتشف فيها كلّ مناخات الكاتبة الأميركية ذات الأصل الفرنسي الكوبي، التي جعلت منها واحدة من أكثر اللواتي احتللن الخارطة الأدبية في العالم في القسم الأول من القرن العشرين.
لكن السؤال الذي أجدني منساقاً إليه، يبدأ مع ما تكتبه «المترجمة» من أن هذه اليوميات في كلامها عن علاقاتها وأصدقائها وعشاقها «في غاية الاختلاف مع عاداتنا وسلوكنا ومحرماتنا. وبالتالي لم أجد الجرأة على ترجمتها فآثرت اختيار مقاطع تخصّ نظرتها للإبداع وعلاقتها بالمبدعين».
السؤال إذا، من يفرض علينا هذه الجرأة لنخشى ما نخشاه؟ أو بمعنى آخر لماذا نريد أن نرضخ دائماً تحت «هذه المحرّمات» التي نظنها «محرمة» بينما الواقع تخطاها أو على الأقل هناك «وقائع» أخرى «أتعس» و«أعنف» الخ.. في أيّ حال، ليس الهدف من هذه الكلمات، هنا، سوى طرح قضية هذا التغييب إذا جاز التعبير، وأقصد أن كلّ شهرة أناييس نن قامت على يومياتها الحميمة، السرية، التي كتبت عنها عبر عقود طويلة. إذ كما نعرف، بدأت الفكرة وهي في الحادية عشرة من عمرها، حين قررت أن تكتب رسالة لأبيها الغائب، واستمرت على هذا المنوال حتى اللحظات الأخيرة من عمرها.
«يوميات»، لم تكن مجانية بالمعنى «السوقي» للكلمة، بل فيها الكثير من الأدب، ومن الأدب الكبير، الذي يقدم إلينا نظرة عميقة وخاصة وفعلية لا عن حياة الكاتبة فقط، بل عن هذا الوجود المتسع، عبر تجربة شخصية كان لها الأثر الكبير في الكثير من كتّاب العالم. من هنا تقصير ترجمة اليوميات على «سلوكنا» وعلى «محرماتنا» ينزع عنها صفة الأدب الحقيقي، ليجعلها تبدو كأنها «أدب رخيص»، وبخاصة أن المقاطع التي تقدمها لطفية الدليمي وهي المقاطع التي تتحدث فيها نن عن الكتّاب والإبداع كما عن بعض أحداث القرن العشرين الثقافية، تخبرنا كم أن هذه الكتابة، هي كتابة تتخطى هذه «الإيروسية» البحتة لتجعل منها قضية وجودية وفلسفية بامتياز.
في أي حال، إن كان ما تقدم تعليقاً عن «الغائب» في النص «العربي»، فعلينا أن لا ننسى أيضاً «الحاضر» الموجود فيه، أيّ هذه النصوص المختارة، التي تدخلنا فعلاً إلى جانب آخر من حياة أناييس نن، وهي هذا التقاطع مع كبار كتّاب القرن العشرين الذين جعلوا الأدب، هذه المملكة الخرافية التي تسحرنا بحضورها، والتي جعلتنا نقع في أثيرها.
نصوص متناثرة، ربما لأنها ترسم فعلا هذه الحياة المتناثرة التي عرفتها صاحبتها، لكن علينا أن لا ننسى أن هذه اليوميات بأسلوبها، شكلت حيزاً حقيقياً لكتّاب جاؤوا من بعدها من حيث اتباعهم هذه الكتابة المتقطعة التي تشي أكثر مما تخبر.
كتاب نقرأه بمتعة، برغم «الاعتراضات»، إذ إننا لا بدّ من أن نحس «بكبت» ما حين لا نعرف الوجه الآخر من الكاتبة، وبخاصة من ليس له القدرة على القراءة بلغة أخرى، منتظراً فقط ما يترجم إلى اللغة العربية، التي نجد في تراثها ما هو أهم. لنأخذ «الروض العاطر» أو «تاج العروس»، على سبيل المثال. ألا تتخطى هذه الكتابة ما نعتبره محرماً؟
إسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد