«باب المقام» يستعيد حياة الحارة الحلبية
في حارة شعبية صُمّمت خصيصاً بما يتوافق مع الطابع العمراني والاجتماعي للحارة الحلبية في مطلع الخمسينيات، وبمشاركة ثمانين ممثّلا وممثلة سورية، من بينهم:
بشار إسماعيل، ومرح جبر، ورضوان عقيلي، ورواد عليو، وعمر حجو، والليث مفتي، يستمر تصوير مسلسل «باب المقام» عن مسرحية وليد إخلاصي: «مقام إبراهيم وصفيّة»، وسيناريو وحوار محمد أبي معتوق، وإخراج فهد ميري، الذي سبق له أن قدّم للتلفزيون عدداً من الأعمال المهمة ذات المنحى الرومانسي الشفّاف لاقت صدى طيباً لدى الجمهور والنقاد مثل: سباعية «قلب دافئ»، ومسلسل: «قبل الغروب»، و«حروف يكتبها المطر»، و«حكاية خريف». ومن المتوقّع الانتهاء من التصوير في الثامن من الشهر الجاري للتمكّن من عرضه في رمضان المقبل.
المسلسل يتكون من ثلاثين حلقة متّصلة، وهو ناطق باللهجة البيضاء التي لا توغل في خصوصيات اللهجة المحلية، ويتوزّع على خطوط درامية عدة، أبرزها الخط المحوري الذي يصوّر حياة الحارة الشعبية الحلبية في مطلع الخمسينيات وهي تعيش نشوة التحرّر من الاستعمار الفرنسي، وتتطلع إلى غد مفعم بالآمال، لكنها سرعان ما تقع رهينة الصراع بين العلم والجهل، والتزّمت والانفتاح، فيسيطر عليها الأقوياء وأصحاب النفوذ: جابر أبو الروس «بشار إسماعيل» وجماعت، ويرسمون لها مصيرها، ويتحكمون بأحلام شبابها وأحزانهم وعثراتهم. وذلك عبر قصة حب آسرة بين الشاب إبراهيم «الليث مفتي» والصبية الضّاجة بالأنوثة والحياة صفيّة «رواد عليو». حيث يواجه هذا الحب الكثير من المنغّصات والعقبات التي تبدأ بعمّ صفيّة الحاج بكري «ناصر وردياني»، أحد الشخصيّات المتشدّدة التي أصيبت بخيبة أمل في الحب والزواج ما دفعها إلى معاداة المرأة واتهامها والشك بكل تصرّفاتها، وهذا ما انعكس على علاقته بابنة أخيه صفية، فأوقعها في حصار كبير.
أما شخصية أخيه والد صفيّة الشيخ صالح «رياض وردياني» فهي ـ كما يقول كاتب السيناريو محمد أبو معتوق ـ على نقيضه، شخصية معتدلة، ومتسامحة، ومناصرة للحب، ما يجعلها مدخلا لمفهوم الإسلام الحضاري، وموقفه الإيجابي من المرأة، وإيمانه بالحوار والانفتاح على الآخر.
وعندما يتعرف أبو الروس بالمصادفة إلى صفيّة يقرّر الزواج منها على الرغم من أنها في عمر بناته، فيرفضه والدها ويقف إلى جانب ابنته في حبها البريء لإبراهيم، وحينذاك يتعاون أبو الروس مع عمها المتزمت فيتّهمانها باقتراف الرذيلة، ويطالبان أباها بالقصاص منها، لكن الأب لا يستجيب لهما بل يزوّج ابنته سرّا من إبراهيم داخل مقام «أبي السماح» أحد الأولياء, وما إن يكتشف أبو الروس ذلك حتى يلفّق لإبراهيم تهمة الاتجار بالمخدّرات، فيطارده الدرك، ويختبئ مع صفية داخل المقام إلى أن يأتي أبو الروس وجماعته ويبنيان مقاما جديدا فوق مقامهما فيموتان اختناقا!
إلى جانب ذلك الخط الدرامي الرئيس تبرز خطوط أخرى ـ كما يوضح أبو معتوق ـ تصور العادات والتقاليد الأصيلة للحارة في تكاتفها وتلاحمها، كما تصوّر علاقات الحب المتنوّعة، والصراع الاجتماعي/السياسي، والعلاقة الملتبسة بين العقل والجنون من خلال شخصية «هبلة» التي يؤديها سامر كاسوحة، وذلك في إطار من الدعابة التي تكسر حدة الصراع المأسوي وتداعياته.
وفي موقع التصوير أكّد المخرج فهد ميري أن المسلسل لا يقع رهينة للأسى على الرغم مما فيه من مواقف ومشاهد محزنة، فهو يحفل أيضاً بكثير من المفارقات والمواقف والشخصيات الطريفة، ما ينتشل المشاهد من دوّامة الحزن واليأس ويمنحه جرعة من الفرح الداخلي تمكّنه من المواجهة وتفتح أمامه نوافذ الأمل.
وفي سؤالنا له عن الرسالة التي يحاول إيصالها إلى المشاهد أجاب: إن تحديد أي رسالة للعمل الفنيّ بشكل مسبق هو انتقاص من قيمته الجمالية والدلالية. فالمسلسل لا يحصر نفسه بهدف أو برسالة أو بأطروحة، إنما يحاول أن يقدم الحياة بكل تنوّعها وأطيافها وظلالها وأحلامها وانكساراتها من دون أن يضعها في سياقات مؤدلجة ومباشرة. ولكل مشاهد الحق في أن يرى نفسه فيه من زاوية ما، وأن يستخلص الرسالة التي تصله منه بما ينسجم مع رؤيته وأفكاره.
وعمّا شدّه في سيناريو «باب المقام»حتى اختاره للعمل الدرامي، أجاب ميري: إنه نصّ يستعيد مرحلة التحولات الكبرى، والنهوض الوطني، كما أنه يعيد لقيم الحب، والوطنية، والأصالة، والتضحية، والتآلف، والتسامح، اعتبارها في زمن أضحت فيه هذه القيم مهدّدة بالانقراض. وهو نصّ متعدّد الخطوط والإحالات والإشارات التاريخية والسياسية والاجتماعية والفكرية، وغنيّ في مضمونه الإنساني النبيل وفي خطوطه وبنيته الدرامية.
وعن الصعوبات التي اعترضت فريق العمل أجاب ميري بأن الشركة المنتجة (الأيهم) متفهّمة لطبيعة العمل، وقد قدّمت كل التسهيلات الممكنة لإنجاح هذا المسلسل. كما أن الفنيين والممثلين يتفانون في عملهم وأداء أدوارهم، بدءا من الأدوار الأولى حتى أصغر دور. وهذا ما ذلّل المصاعب الكثيرة التي تعترض مسار أي عمل درامي.
بطاقة العمل
ـ إنتاج شركة الأيهم ـ محمد قبنض.
ـ الإشراف العام بشار إسماعيل.
ـ عن مسرحية وليد إخلاصي: مقام إبراهيم وصفية.
ـ سيناريو وحوار: محمد أبو معتوق.
ـ إخراج: فهد ميري.
ـ المخرج المساعد: أحمد العاشق.
ـ مدير الإنتاج : صالح قبنض.
ـ تمثيل: بشار إسماعيل، مرح جبر، رضوان عقيلي، رواد عليو، الليث مفتي، سامر كاسوحة، قاسم ملحو، عمر حجو، رياض وردياني، ناصر وردياني، سلوى جميل، روعة ياسين، ماري جغل، أسامة السيد يوسف، عهد فنري.
ـ ضيوف الشرف: صباح عبيد ـ عصام عبجي ـ وضاح حلوم.
نذير جعفر
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد