«تاريخ الأدب الإسباني في القرن العشرين».. قبل الحرب الأهلية ليس كما بعدها

16-03-2015

«تاريخ الأدب الإسباني في القرن العشرين».. قبل الحرب الأهلية ليس كما بعدها

ينقل المترجم السوري جعفر محمد العلوني إلى القارئ وثيقة مشوّقة عن حياة إسبانيا المعاصرة؛ متخذاً من كتاب «تاريخ الأدب الإسباني في القرن العشرين - الهيئة السورية للكتاب» خطوة لافتة من خطوات «الخطة الوطنية للترجمة» التي بدأتها وزارة الثقافة السورية مؤخراً.
على امتداد مائتين وسبعٍ وأربعين صفحة من القطع المتوسط نعود مع كل من «نيبيس باراندا ليتوريو» و «لوثيا مونتيخو غوروتشاغا» إلى مطلع القرن الفائت؛ حيث يبين المؤلِّفان التحاق إسبانيا بالنزعات الأدبية الأوروبية عبر مجموعة من الكتّاب عُرفوا بجيل نهاية القرن؛ كان أبرزهم «ديل فايي إنكلان - 1866 - 1936» صاحب مذهب « الإسبيربينتو» أو التشويه في الأدب من خلال تحقير الواقع ونقده؛ إذ بدأ هذا التيار مع مرحلة الحداثة في أوروبا عامةً؛ ليتجلى في بلاد «سرفانتس» في أعمال روائية ومسرحية عديدة كان أشهرها في تلك الفترة «الحرب الكارلوسية» الثلاثية الروائية التي وضعها «إنكلان» معتمداً على تشويه الشخصيات والمواقف. كذلك نقرأ عن «بيو باروخا (1872 - 1956) صاحب رواية «رباعية البحر» ومؤلف الدراسات والروايات الضخمة وأدب الرحلات والمغامرات، بينما نتعرف على الشاعر الإسباني الكبير «أنطونيو ماتشادو» (1875 - 1939) ابن مدينة إشبيليا وشاعر الأندلس وقصة حبه الصاخبة لامرأة تعرّف عليها الشاعر مع اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، وانتصار الجيش الفاشي عام 1939؛ العام الذي سيلاقي فيه صاحب «حقول قشتالة» حتفه بعد هروبه إلى فرنسا ومقتله هناك في ظروف غامضة.
يسرد الكتاب عن حركات وتيارات عديدة كان لها حضورها في الرواية والمسرح والشعر، لكنها تتوقف أمام جيل كتّاب «التسعمئة المجددة» الجسر الذي يصل بين جيل نهاية القرن وحقبة الحركات الطليعية؛ والتي شهدت صعود أدب ما بين الحربين الأهلية والعالمية الثانية؛ وهي حركات قامت على الرفض والانقطاع مع كل أشكال الفن والأدب السابقة من مثل التكعيبية والمستقبلية والدادائية؛ فيما لاقت السريالية أهمية كبرى في الأدب الإسباني؛ فتجلت في أشعار «خوان رامون خيمنز» (1881 - 1958) وقصيدة النثر التي كتبها صاحب كتاب «الأبديات» عن موت الوعي والعقل والخلود.
يتجلى العصر الذهبي للأدب الإسباني في حركة الـ 27 الشعرية التي تعتبر أبرز الحركات الطليعية التي اشتغلت على ما يسمى «النقاء الجمالي» لنصوصها والالتزام الإنساني العالمي؛ وهنا يبزغ اسمان كممثلين رئيسين عن هذه الحركة هما «فيدريكو غارسيا لوركا» (1898 - 1936) و «رفائيل ألبيرتي» (1902 - 1999) الأديبان اللذان قدّما عشرات الأعمال الشعرية والمسرحية عن الحرب الأهلية وحياة المنفى والحنين؛ ورعشة الحرب التي اغتالت فيما بعد «لوركا» وشرّدت «ألبيرتي» لسنوات طويلة؛ تاركةً شرخاً كبيراً بين الأجيال.
وإذا كان تأثير الحرب الأهلية على الأدب الإسباني قد استمر برأي النقاد والباحثين حتى عام 1975؛ إلا أن مرحلة ما بعد الحرب كانت هي الأخرى زاخرة بحساسية جديدة، إلا أنه من المهم القول إنه ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945؛ ظهر إلى العلن تيار الوجودية في أدب إسبانيا؛ فخلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات كان لكوارث الحرب والمواجهات الأيديولوجية أثرها في ظهور الفن الاجتماعي الملتزم والواقعية الجديدة؛ لكن في الوقت ذاته رسمت نتائج الحرب الأهلية بين عامي 1935 و1975 مرحلة من القمع الدموي بسبب انتصار نظام الديكتاتورية وبقائه في الحكم لمدة أربعين عاماً؛ فهذه الفترة كانت ثمرة انتصار عسكري حققته مجموعة قادها الجيش والكنيسة والقوى المستفيدة على باقي الخيارات السياسية؛ إضافةً إلى أن نفي معظم المفكرين والفنانين الجمهوريين بنسبة ثمانين في المئة إلى خارج البلاد؛ أدى بالحركة الأدبية إلى مستنقع فكري؛ بينما عانى أدباء الداخل من كابوس الخوف من الانتقام والأخذ بالثأر من قبل نظام فرانكو الذي سلّط أجهزة الرقابة على الأدباء. في تلك الفترة لمع العديد من الأسماء كان من بينها الكاتبة كارفن لافوريت عبر روايتها «العدم».
مع موت فرانكو عام 1975 وزوال سلطة الرقابة وانتشار المطابع وعودة الأدباء المنفيين إلى البلاد؛ شهدت الرواية والأدب الإسبانيان عموماً تخليا عن الالتزام الاجتماعي؛ لينتميا في ما بعد إلى تيار ما بعد الحداثة من خلال كسر المعايير الاجتماعية والأخلاقية التي كانت سائدة في زمن الديكتاتور.

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...