«سبارتاكوس» باليه أرميني في دار الأوبرا السورية
«ما أمتع أن تسمع الناس يقولون كم كانت المسرحية بالغة الوضوح، من دون أن ينتبهوا إلى أن السرّ كامن في الثياب». لشدّ ما ينطبق كلام المسرحي البريطاني بيتر بروك هذا على الباليه الأرميني «سبارتاكوس» الذي استضافته دمشق أخيراً بالتزامن مع زيارة الرئيس الأرميني، وبحضوره لعرض الافتتاح. فالراقصون تخففوا منها إلى حدّ بعيد، كي يتيح ذلك رؤية الجسد، فهو هنا أداة التعبير، حيث لا كلام ولا غناء. قطع قليلة من الملابس، من غير بهرجة تعيق الحركة، ولكن مع إحالة صريحة إلى شخصيات أو أدوار ووظائف. فالعبيد المزارعون ارتدوا ألواناً أقرب إلى لون الأرض، ترابية، رمادية متسخة بالأحمر، تميز عنهم الرعاة بقطعة من جلد حيوان على الصدر. أما الرومان فجاءت ملابسهم أكثر فخامة، فضية لامعة، أو صفراء ذهبية. والعتاد هو أيضاً في حدوده الدنيا، فمن السيوف أقصرها، ومن الأغلال أخفها ثقلاً، ومن الرماح ما يساعد في التشكيل ورسم الحركة.
ثم لا شك في أن الكريوغراف (يوري غريغوروفيتش الحاصل على لقب فنان الشعب من الاتحاد السوفياتي) قد استوحى وقفات الراقصين من تماثيل الرومان. وتجدر الإشارة هنا إلى أداء الراقصين الذين من الواضح أنهم تعلموا التمثيل إلى جانب الرقص، ما برز بوضوح على وجوه أبطال العمل وفي انفعالاتهم، مع فارق واضح بين أداء الراقصين في يوم الافتتاح عن زملائهم في اليوم التالي (تبدل الراقصون الأساسيون بين العرضين الأول والثاني). كما لا بد من التنويه إلى غياب ميزة التمثيل لدى راقصينا في الفرق السورية، فغالباً ما نجد في أداء الشبان تلك المسحة «العنترية» في أدائهم، وعند الشابات تلك الابتسامة الواسعة التي تُلقى على وجوههم كيفما اتفق.
الديكور كان أيضاً في غاية البساطة، فهو مجرد خلفيات كانت عبارة عن جدران لسجن، أو لقصر، أو خلفية لداخل القصر، أو تلك الخلفية المسودة بالغيم في الفصل الأخير، والتي تنبئ بالنهاية التراجيدية لثورة سبارتاكوس.
باليه «سبارتاكوس» انقسمت إلى ثلاثة فصول تحكي الصراع التاريخي لسبارتاكوس وثورة العبيد مع الرومان. والعمل الموسيقي من تأليف الموسيقي الأرميني أرام خاتشادوريان (1903- 1978)، أما المايسترو للفرقة الموسيقية التي عزفت بشكل حي في حفرة الأوركسترا في مسرح الأوبرا فهو كارين تورغايان، المايسترو نفسه الذي قاد حفلاً لزياد رحباني في قلعة دمشق من قبل.
شيء عن الأمل
تحكي الباليه، التي استندت إلى قصة من تأليف يوري غريغوروفيتش مستوحاة من قصة لرفايلو جوفانيولي، حكاية سبارتاكوس حين يأسره الرومان مع حبيبته، ويقتادونهما مع غيرهما من الأسرى إلى روما لبيعهم كعبيد، يُضم هو إلى صفوف المصارعين، ليجد نفسه في مبارزة مع خصم مجهول حيث كلاهما مغمض العينين، وفي نهاية الجولة يكتشف سبارتاكوس أنه قتل أقرب أصدقائه، الأمر الذي يملأه بإرادة أن يكون حراً. وهو ينجح فعلاً بالهرب لكنه يريد أن يحرر حبيبته التي تتعرض في القصر للتحرش والإهانة، ويفضي حصار الثوار للقصر إلى مبارزة بين سبارتاكوس والقائد الروماني كراسوس، وعندما يتفوق سبارتاكوس على خصمه، يكتفي بتجريده من السلاح ويتركه في حال سبيله، لكن الصراع لا يقف عند هذا الحد، فهنا يأتي دور المرأة، رفيقة كراسوس التي تتسلسل بين رفاق سبارتاكوس لإغوائهم وزعزعة قواهم، ويكون هذا الضعف والتمزق بداية النهاية لسبارتاكوس وثورته، حين ينجح كراسوس في حصاره وقتله ثم رفعه على أسنة الحراب. أما المشهد الأخير فهو رقصة لحبيبة سبارتاكوس مرتدية الأسود، منفردة في البداية، ثم مع الجموع يحملون جثمان سبارتاكوس.
لم يشأ العرض أن ينتهي بمشهد عن الأمل، ولا ندري لماذا نفعل ذلك في عروض الرقص عندنا، كأنما لا يثق فنانونا بأن ما قدموه سيعجب الجمهور، فيضعون لهم نهاية ترقصهم أثناء خروجهم، فما يبقى غالباًَ من العرض الانطباع الأخير!
لكن العرض نفسه، الرقص العالي المستوى، والعزف الحي للفرقة الأرمينية بمشاركة عازفين سوريين، وكذلك المؤلف الموسيقي الرائع لخاتشادوريان، كل ذلك ما هو إلا نوع من الأمل، والانتصار.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد