«قـاع المدينـة» درامـا لا تركـن إلـى بـؤس المكـان

15-09-2009

«قـاع المدينـة» درامـا لا تركـن إلـى بـؤس المكـان

كان علينا إضافة تعبير جديد هذا العام هو «دراما العشوائيات» إلى قائمة التعبيرات الجديدة في سوق الدراما العربية، خصوصاً ان العبارة أتت كمصطلح مجازي للأعمال التي تدور أحداثها في مناطق المخالفات حول دمشق. ورغم أن هذا التعبير أحدث انقساما حول مدى دقته، إلا أن ما تابعناه من أحداث في هذه المسلسلات أظهر كم أن تفاصيل الحياة في تلك المناطق هي دراما بحد ذاتها، بمعنى صراع المتناقضات فيها. هذا على الأقل ما أمكن التقاطه بسهولة في الدراما الاجتماعية «قاع المدينة» للكاتب محمد العاص والمخرج سمير حسين. من «قاع المدينة».
عمد المخرج إلى إظهار تلك الدراما الحياتية ومنذ المشهد الأول لمسلسله، حين أغرق أحد الأحياء بكامله بماء «مجرور الصرف الصحي» الآسن، لتطفو دفعة واحدة، وبمشهد طويل واحد، هموم سكان الحي وأوجاعهم: «طلال» الحالم بإقامة معرض لرسومه ينتشله من حالته المادية السيئة، لكن فيضان المجارير يأكل حلمه ولوحاته معاً، «أبو ربيع» الرجل المتقاعد المتزمت البخيل، زوجته الطيبة التي تسعى إلى مسك العصا من منتصفها بين زوجها وبناتها، والابنة «رولا» الطالبة الجامعية المتمردة، وأختها «رهام» المفجوعة بموت الزوج واستغلال الأب، المعلم «جهاد» الشهم الذي لا يتوانى عن تقديم المعونة لكل من يقصده، و العامل «طارق» الشاب الفقير وحبيبته «رجاء «الخادمة التي تحمل هم معيشة عائلتها رغم أنها ضحية استغلال زوج أمها العاجز..وآخرون.
بدا خيار تقديم شخصيات العمل دفعة واحدة، مختصر التكثيف وتسارع الأحداث الذي هو سمة الحلقات الخمسة عشرة الأولى على الأقل، قبل أن يخف تسارع الأحداث لاحقاً، بانتظار عودة تسارعها في الحلقات الأخيرة عند التقاط خواتيم حكايات أبطالها.
أما إغراق الحي البائس بما يزيده بأساًَ، فيبدو كما لو أنه إيذان بعدم رغبة المخرج سمير حسين بالوقوف مكتوف الأيدي أمام الصورة الطبيعية لبؤس الحي بكل ما يحمل من إغراء الاكتفاء بتحريك الكاميرا لالتقاطه. فسعى المخرج إلى صنع صورة لبؤس الحي تخصه وحده، يتجاوز بها، أو يزيد على ما يفيض به الحي من بؤس بشكل طبيعي.
تنتقل كاميرا المخرج حسين من بيوت الحي البائس نحو البيوت العالية في الحي الغني المجاور له. إنه انتقال من قاع المدينة إلى سطحها، نحو حكايات أخرى سيبدو المختمر منها ـ في الغالب ـ ما هو مرتبط بشخصيات الحي المُخالف كعلاقة الشاب الثري «ماهر» مع «رولا « ابنة «أبي ربيع»، بما تنطوي عليه حكايتهما من انتقام ابنة الحي المخالف من ابن الطبقة الغنية المغرور، فضلاً عن علاقة الفنان «طلال» مع المدرِّسة «روعة» التي تستغله وتسلبه المال الذي وجده مصادفة. وباستثناء هاتين الحكايتين سينخفض إيقاع الحدث الدرامي خارج الحي، فحكاية «أبي ماهر» مع السكرتيرة «شيرين» تبدو نافرة، وبتخليصها من ارتباطها الضعيف بسكان الحي البائس يمكن إسقاطها من دون أن نؤثر على البناء الدرامي لحكاية العمل، بل وجاء تناول شخصية «أبو ماهر» قاصراً إذ سيبدو غريباً أن لا يشغل بال سيد الأعمال المشهور سوى الإيقاع بسكرتيرته وقريبتها أو حتى الاعتداء على خادمة تدعى «رجاء»، في الوقت الذي يظهر فيه لنا المسلسل كم للرجل سطوة تجعله أبعد من أن يسعى للهاث خلف موظفاته أو خادمته.
أما حكاية الكاتب «علاء» وزوجته «هيام» وهي خيط درامي يجري بالكامل خارج الحي البائس (لا يرتبط به إلا من خلال صداقة علاء و طلال)، فهي حكاية تقليدية مكشوفة منذ البداية ولعل حذفها بالكامل لن يقدم أو يؤخر في صيرورة حكاية «قاع المدينة».. بينما يبرز الأداء الكبير للفنان أيمن زيدان الذي كان يستحق مساحة أكبر من مجرد إظهار سطوة رجل الأعمال وشهوته.
بالعموم لا شيء يلمع خارج الحي البائس في مسلسل «قاع المدينة»، باستثناء علاقة «ماهر» و»رولا»، وما عداها تبقى حكايات قاصرة لم يجد معها سعي المخرج إلى إيجاد صورة تعوض حيرة النص فيها بعيداً عن سكان الحي، وبذلك يبقى سحر الحكاية وسحر الإخراج وسحر الأداء التمثيلي (باسم ياخور، ديمة قندلفت، أحمد الأحمد، تاج حيدر) أسير الحي المخالف ودراما الحياة اليومية فيه.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...