أحرار تونس لن يرفعوا الراية البيضاء
بعدما سبّب سلفيون إلغاء العرض في مدينة منزل بورقيبة (الأخبار 17/ 8/ 2012)، استطاع المسرحيّ التونسي لطفي العبدلي تقديم عمله «١٠٠% حلال» على خشبة «المسرح البلدي» في صفاقس. هكذا، نجح المثقفون في حماية المسرحية التي قُدّمت قبل أيام، ليتفادوا بذلك سيناريو كان سيكون مشابهاً لما حدث في منزل بورقيبة، خصوصاً أنّ متشدّدين دعوا على صفحات فايسبوك إلى منع الفنان الشاب من عرض مسرحيته مرة أخرى. إلا أن تكاتف المثقفين وناشطي المجتمع المدني وصل بـ«100% حلال» إلى بر الأمان. تحاكي المسرحية تونس بعد اندلاع الثورة، وخلع زين العابدين بن علي، وصعود الإسلاميين إلى الحكم. العمل المونودرامي الذي يخرجه ويؤدي بطولته العبدلي، يروي تفاعل التونسيين مع المستجدات السياسية الحاصلة في بلدهم، كوصول «حركة النهضة» الإسلامية إلى الحكم والتركيز على رد فعل المواطن التونسي البسيط على محاولات تغيير نمط المجتمع. ولا يختلف أسلوب العبدلي في تناوله فكرة عمله الجديد عن أعماله السابقة: اللجوء إلى الكوميديا التي يحفر من خلالها في الشخصية التونسية وتناقضاتها ومواقفها من الدين والسياسة والمال والسلطة والحب. وشكّل التفاف المثقفين المناهضين لـ«أسلمة» تونس حول فضاء العرض، مشهداً جميلاً ومؤثراً يؤكد أنّ تونس ما زالت تنبض بالحياة رغم السواد الذي تعِد به التيارات المتشددة.
ما حدث في صفاقس هو حلقة من حلقات المقاومة الثقافية التي يقودها أدباء تونس وفنانوها، بعد تخلي الدولة عن حمايتهم. وبعد أيام، سيحتضن «مسرح الحمراء» لقاءات دورية بين مبدعين وبعض أعضاء «المجلس الوطني التأسيسي» وزعماء أحزاب وناشطين في المجتمع المدني من أجل صياغة «بيان الحمراء» الذي وصفه مدير المسرح عز الدين قنون بـ«صرخة فزع لكل الضمائر الحرة في العالم من أجل مساندة المبدعين ضد ما يتعرضون له من مضايقات»، ومن أجل «فضح الحكومة التي تتستّر على السلفيين، ما يشجعهم على التمادي في اعتداءاتهم المتكررة على الحرية».
صحيح أن السلفيين الذين يذكّرون زعيم «النهضة» راشد الغنوشي بشبابه ــ كما قال ــ يحاولون فرض أجندتهم على الواقع التونسي، إلا أن أنصار الحرية والانفتاح لم يستسلموا حتى الآن، ولن يفعلوا ذلك في المستقبل.
نور الدين بالطيب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد