أدونيس: اللغة العربية برعاية مؤتمر القمة
- 1 -
في «إعلان دمشق» الذي صدر عن القمة العربية العشرين، «إعلان عَزْم» على:
«إيلاء اللغة العربية اهتماماً ورعاية خاصة، باعتبارها وعاء للفكر والثقافة العربية، ولارتباطها بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا، لتكون مواكبة للتطور العلمي والمعرفي، في عصر العولمة والمعلومات، ولتصبح أداة تحديث في وجه محاولات التغريب والتشويه التي تتعرض لها ثقافتنا».
إنه «عزمٌ» تقتضيه، بالضرورة القصوى، لغة هذا «الإعلان» ذاتها. ففي هذه الفقرة، وحدها، أكثر من خطأ يتصل بدلالة الكلمة، وطُرق استخدامها، ونسق التركيب النحوي واللغوي والفكري، مما تتميز به اللغة العربية. غير أن هذا يحتاج الى دراسة، على حدة.
في كل حال، لا بد من شكر هذه القمة على اهتمامها بآخر ما تبقى للعرب من الخاصيات التي تدل عليهم، وجوداً وهوية.
نأمل ألاّ يندرج هذا الاهتمام في لائحة الاهتمامات الأخرى، الوحدوية، الاقتصادية، السياسية... إلخ، وأن يكون «العزم» هنا، صادقاً.
يعني الصدق هنا:
أ – أن يتعلّم «قادة» العرب، اللغة العربية، بوصفها أولاً، صرفاً ونحواً، وبوصفها، ثانياً، المُحيط الذي يحتضن الحضارة العربية.
ب – أن يعمل هؤلاء القادة على إعادة النظر، جذرياً وعلى نحو شامل، في طرق «الرعاية» القائمة، بدءاً من البيت، مروراً بالمدرسة والجامعة، وانتهاء بمختلف المؤسسات الأخرى، الكثيرة، المتنوعة.
ج – أن يعمل هؤلاء القادة، تبعاً لذلك، على إعادة النظر، جذرياً، وعلى نحوٍ شامل:
- في البرامج الراهنة، سواء في طرق تدريس اللغة الفصحى، وفي علاقاتها باللغة أو باللغات الدارجة، وفي المادة التي تُدرَّس.
- في «مبادئ» أو «معايير» توظيف الأساتذة المدرّسين، خصوصاً أن معظمهم، اليوم، أساتذة أحزاب، حكومات، طوائف، أكثر منهم أساتذة لغة وأدب وفكر.
د – أنّ الوعي باللغة ليس مجرّد وعي بالإعلام، في مختلف وجوهه، ووعي بطرق استخدام اللغة، إعلامياً، كما نرى اليوم، وإنما هو قبل ذلك، وعي هوية، وكينونة، ومصير.
في اللغة وبها، تتجسد المخيلة، ويتجسّد الإبداع، وفيها وبها، تبتكر المعرفة الجديدة، والجمال الجديد، وفيها وبها، تخرج الذات من حدودها، وتصبح كونية، وفيها وبها، يتحوّل المكان الى زمان، والزمان الى مكان.
هـ - أن رعاية اللغة، على هذا المستوى، لا تنفصل عن رعاية الحرية. فحيث «تَمْرَضُ» الحرية، «تمرض» اللغة، وحيث «يموتُ» الفكر الحُرُّ، لا يمكن إلا أن «يموتَ» الكلام.
- 2 –
قطراتٌ من المطر تجري، الآن،
على زجاج نافذتي.
تبدو القَطْرة كأنها مركبٌ صغيرٌ
في شكل قُبّةٍ مدوّرة:
مراكبُ تتجه الى شاطئ النافذة،
لكي تتحطّم عليه.
في كلّ مركبٍ
بحّارٌ واحِدٌ يُشبه نقطة من الدَّمع.
- 3 –
صوتُ الجرس يَجيء من «الآلة»،
وصداه يجيء من «الطبيعة»:
تحارُ أيهما الأجمل؟
- 4 –
قُلِ «اللاشيء»، على نحوٍ مُفردٍ،
وسوف ترى أنّك تقول «الشيء» نفسه:
«عِلْمٌ» لا يصح إلا في الشعر.
- 5 –
عندما أقرأ نصاً عظيماً،
أشعر كأنه «ينتصر» عليّ:
ما أغنى، وما أجمل هذه «الهزيمة».
- 6 –
بين الريح والشجر،
خصوصاً في حديقة مُسوّرة
كلامٌ،
هو، غالباً، موقَّعٌ وموزون،
وأحياناً، موزونٌ ومُقفّى.
للطبيعة، هي كذلك، لغة لا تنفصل عن الموسيقى.
- 7 –
لم أكسر نافدة إلا لغاية واحدة:
أن أجعلها أكثر اتساعاً،
وأكثر وحدة مع الأفق.
- 8 -
تستيقظ الحقيقة في الطبيعة، عارية
وفي الكتاب تلبس ثيابها.
- 9 –
العبارةُ الجميلة
هي، في ذاتها، حقيقةٌ جميلة.
- 10 –
لا تتوقف الطبيعة عن الكلام،
لكن، همساً.
عندما تنطق بصوتٍ عالٍ،
تخرج من بين شفتيها كلمةٌ واحدة:
الحريّة.
أدونيس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد