أشجار وطاولات وجدران تحفظ الحب والأسرار
من منا لا يذكر مقاعد الدراسة, والجدران وأشجار الذاكرة في حديقة المدرسة والجامعة, والمدينة الجامعية, نحفر عليها أسماء الأصدقاء والزملاء والأحباب.؟؟
هل كنا نعتقد أننا سنكون ممتنين لهذه الأفعال الصبيانية ومراهقة رسم القلب, والسهم, الأحرف الأولى من أسمائنا بعد سنوات طويلة؟
شباب وصبايا, يحفرون برأس السكين أو القلم, ما تهفو إليه قلوبهم (سامر ومنى) وقلب يقطر دمه حباً من سهم يخترقه.
أذكر صديقنا (عمار) من كلية الطب, وهو من قطر عربي, كان يحفر على شجرة بالقرب من وحدة سكنه في المدينة الجامعية أسماء كل الأصدقاء الذين تعرف إليهم في سورية.
كان يقول: يوماً ما سأعود إلى هذه الشجرة, بعد أن يخط الشيب رأسي, لأتذكر أصدقائي وأعيد الشباب لقلبي وذاكرتي..!
كان هذا في العام ,1988 وعمار أصبح اليوم طبيباً مشهوراً في بريطانيا, إلا أنه يجزم في رسائله لأصدقائه,أن الحفر على الشجر والمقاعد خلال المحاضرات المتتالية, ذكرى لا تمحى أبداً من نفسه, كعمق الحفر في الخشب.
في قصة أخرى يصر أحمد منور (أدب عربي) أن يحفر في العديد من الأماكن التي يرتادها وصديقته سمر, أحرف اسميهما مع التاريخ باليوم والشهر والسنة وأحياناً الساعة ويقول:
عندما أعود إلى الأماكن ذاتها أجلس على الطاولة نفسها وأعيد التأكيد على الحفر, وأحس أنه مرة بعد مرة يمسي ذلك التاريخ المجاور للحرفين الصغيرين جزءاً من ذاكرة المكان الحميمة, التي يحاول العشاق الصغار ترك بصماتهم فيها.
ترتبط هذه الظاهرة بشكل أساسي بجيل الشباب وتحفل العديد من مطاعم الجامعة بدمشق, وغيرها, بالحروف الأولى والتواريخ التي تركها طلاب هذه الجامعات العريقة وراءهم, مفسحين بعض المجال على الخشب لعشاق آخرين قادمين.
وتشهد أشجار الجامعة والمدينة الجامعية على الحروف الأولى لأسماء رفاق كانوا هناك يوماً, همسوا بأحلامهم الصغيرة وأسروا لبعضهم بتمردهم آنذاك تحت أغصانها, ولم يتركوا وراءهم سوى حرفين وقلب حب يتخلله سهم.
وبقيت هذه الملامح الصغيرة للذكريات حية برغم غياب أصحابها, إلا أنه ومن المفاجئ أن تسمع أن البعض يعود ليعايش أيامه الجامعية تحت ذات الأشجار وعلى نفس الطاولات, رحاب 22 عاماً التي ما انفكت تعود إلى ذات المطعم الذي تحمل إحدى طاولاته الحرف الأول من اسمها الى جانب الحرف الأول من اسم حبيبها الأول.
لكن ظاهرة الحفر على المقاعد الخشبية تبدأ في المدارس حتى تصل إلى الجامعات, وإن كانت تأخذ المنحى العاطفي في المرحلة الجامعية.
وتظهر الأدراج الخشبية في المدارس الحكومية بالذات زخماً لا يستهان به في حفر الأسماء والتواريخ وكتابة أبيات الشعر الغزلي والحكم والأقوال المأثورة وكذلك بعض المقاطع للغش في الامتحانات.
ولكن جمال الخطيب, وبعد أن تخرج من قسم الاجتماع بجامعة حمص يقول: إنها محاولة للتمسك باللحظة التي يعيشها الإنسان وتأريخها بما يسمح له بمعايشتها بشكل أقرب في المستقبل, كلما حن إلى ماضيه, إلا أن هذه اللمسات الرومانسية التي يتركها العشاق وراءهم لغايات الذكرى والحنين, تشكل برأيي تعدياً على ملكية الآخرين. ولكن هؤلاء أصحاب المطاعم أو حتى الجامعات لايمانعون هذه الظاهرة.
ويروي مالك رجب صاحب مطعم صغير قرب جامعة دمشق رأيه كصاحب محل تمتلئ طاولاته بالذكريات, وتزدحم أزواج الحروف والقلوب على جنباتها, ويقول:
لا أنكر أنني أحسست بالضيق في المرة الأولى التي لاحظت فيها أن أحدهم قد حفر الطاولة بالسكين, إلا أنني ومع الوقت بدأت أستلطف هذه الثنائيات, فالشباب الذين يحفرون على الطاولة, يعودون دائماً ليبتسموا للحظاتهم الحلوة.. وأرى اليوم أن أسطح الطاولات أقرب إلى لوحة فنية, منها إلى التخريب, وهي تجمع وعود العشاق.
وأبيات الغزل وكلمات الحب. ترى هل تفكرون اليوم بالعودة والابتسام لذكريات الحب وأسراره الصبيانية في تلك المرحلة من حياتكم؟
رويدة عفوف
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد