أعمال أدونيس الشعرية الأولى.. أجاد في كل الأنواع
بدأت دار الساقي بنشر الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر السوري أدونيس (علي أحمد سعد) وبدأت بالمرحلة الأولى (1949ـ1961) فأصدرت الجزء الأول الذي يضم التجربة الشعرية الأولى عبر ثلاث مجموعات: «قصائد أولى ـ 1949ـ 1957» ثم «أوراق في الريح ـ 1955ـ1960» وأخيراً أهم مجموعة أصدرها في المرحلة الأولى: «أغاني مهيار الدمشقي ـ 1960ـ1961».
ومن خلال هذه المجموعات الثلاث نلمح خطوات التطور التي مشى فيها الشاعر وئيداً وعلى مهل، فهو بدأ شاعراً كلاسيكياً، بشعر ذي تفعيلة واحدة تقليدية وقافية واحدة، خصوصاً في «قصائد أولى، التي من بينها قالت في الأرض» التي يخاطب فيها مؤسس الحزب السوري القومي الاجتــماعي انـطون سعادة، والتي حذف منها كما قال ما لا يرقى إلى مستوى العالم الذي فتحه وقال أيضاً في ملاحظة اخرى: «حذفت كذلك من «قصائد أولى» في طبعتها الأولى (دار مجلة شعر ـ بيروت 1957) ما رأيت انه ضعيف فنياً». وكان الأحرى بالشاعر، هنا، ان يترك كل شيء على حاله ليتبين لقارئ شعره كيف تطور هذا الشعر من الحسن إلى الأحسن فالأروع.. وما كان على الشاعر ان يتدخل في ذلك. والمهم في هذا كله أن أفق الشاعر منذ كان شاباً كان أوسع بكثير من شعراء جيله. بل لعله إلى جانب الشاعر العراقي بدر شاكر السياب قد فتح طريقاً جديداً للشعر الحديث في تحريره من تقليديته وأسلوبه القديم إلى المدى الأوسع، حيث تصبح أداة التعبير متاحة على نطاق أكبر للشعراء الجدد.
قلت إن أدونيس منذ البداية خرج من عباءة الشعر العربي التقليدي، ولكنه أراد أن يقول إنه في أي نوع من الشعر بدأ وأجاد: قصيدة تقليدية أو قصيدة حديثة، فمن شعره التقليدي مثلاً:
ربّ أم مدُّ كفاً إلى الأرض
وكفاً لطفلها المغرور
لمحت في صراخه لغة القهر
ورُعب الدنيا وموت الشعور
ورأت في جبينه ثورة الجوع
وأطياف حضنها المذعور
فانحنت تأكل التراب وتستفُّ
بقايا موائد وقشور
وعلى ثغرها رجاء: غداً تخضرُّ
أرضي، غداً يُضيء سريري
وننتقل بين قصائده الأولى فنلمح علاقته بالأرض، والوطن، والطفولة، ومع انه في بداية شبابه فلم يكن الحب شاغله إلا بطرف خجول، فالشاعر في تلك الفترة يكبر حلمه من خلال وطن عقيم هو سورية الكبرى، فكان يؤسس لهذا الفكر في شعره مع من يؤسس له في سياسته واجتماعه والناس البسطاء من حوله. فحتى في الحب يمزجه بالتساؤل الفلسفي فلا يكون مباشراً كما كان يفعل شعراء جيله مثل نزار قباني وعمر أبو ريشة كقوله:
ظمئتُ، متى يا دمي، يا شبابي
تقول، ارتويت؟
ظمئت إلى موعد
وقفت عليه غدي
ظمئت لقلب فسيح عميق
أفجّره شعلاً في طريقي
وأخزّنه في عروقي
وأتركه بين حي وميت
ظمئت، متى يا دمي يا شبابي
تقول ارتويت؟
ومع أن مرحلة الشباب لا تخطر على بالها فكرة الموت، فالعطاء يكون في بداياته.. لكن أدونيس منذ نعومه أظفاره شغلته فكرة الموت الذي هو نهاية للحياة، حياة حلم وكوابيس، ثم موت لا نعرف بعده شيئاً:
يا يد الموت أطيلي حبل دربي
خطف المجهول قلبي
يا يد الموت أطيلي
علني اكشف كنه المستحيل
وأرى العالم قربي
على أن أهم مجموعة أصدرها أدونيس في تلك المرحلة هي: «أغاني مهيار الدمشقي» التي قفز فيها قفزة نوعية. وعزّز فيها قصيدة النثر الذي بنى أسسها القوية وقتذاك مع جماعة «مجلة شعر» مثل أنسي الحاج وشوقي أبي شقرا ويوسف الخال (مؤسس مجلة شعر) وفؤاد رفقة ومحمد الماغوط. كنوع جديد من الشعر. أخذ مداه الواسع لدى الشعراء الجدد..
لا نستطيع الإطالة في هذا المجال الصحافي العتيق، إذ يحتاج أدونيس لدراسة أوسع وأكبر في تجربته الشعرية فهو مبدع في كل ما كتبه. ولعله الشاعر الأكثر غزارة في إبداعه. وقد بلغ عدد كتبه ما ينوف على مئة كتاب، كأن الرجل طوال حياته لم يترك القلم والورق الأبيض وطاولة الكتابة.
ياسين رفاعية
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد