أكياس البلاستيك تهدد الحياة البشرية

01-07-2007

أكياس البلاستيك تهدد الحياة البشرية

كيس البلاستيك الذي تتقاذفه الريح في أجواء المدينة، في بداية فيلم «أمريكان بيوتي» (1999) ونهايته، للمخرج سام مينديز، لعلّه يرمز إلى الأقدار التي تسيّر حياة البشر وتتحكّم في مصائرهم. إلاّ أن للأكياس نفسها روايات أخرى، تبدأ عند صنعها ولا تنتهي عند رميها.

جاء كيس البلاستيك ليحلّ أزمة اجتماعية خلفتها الأسواق الاستهلاكية. وحل محل أكياس الورق التي تبلى سريعاً، وأكياس القماش وسلال القش غير العملية.

في الماضي، كانت السيدة تطل من شرفة منزلها، وتطلب من البائع في أسفل المبنى أن يؤمّن لها حاجات وأغراضاً. ثم تُنزل سلة قش مربوطة بحبل رفيع، ويضع الأغراض فيها، ويأخذ النقود منها ويردّ الباقي فيها... أو تصرخ له السيدة أن يسجّلها على حسابها.

وتحت وطأة الطلب الغزير في العصر الاستهلاكي، وقيام المتاجر الكبرى في أماكن قصية، وجدت المتاجر الصغيرة نفسها على شفا الإفلاس، ففرّت من الشوارع والأزقّة. وهي الواقعة التي أجبرت السيّدة صاحبة السلّة ومثيلاتها على الذهاب إلى المتاجر البعيدة، وحيازة سيارة للانتقال إليها، وهاتف خليوي للاستفسار من الخادمة عن الأشياء الناقصة التي لم تندرج في لائحة المشتريات.

تشتري ما شاءت وتزيد، ثم توضع الأغراض في أكياس بلاستيك، تملأ صندوق السيارة. وتعود إلى البيت. وهناك تفرّغ الأغراض وترتّبها في الرفوف والخزائن والثلاجة...

وتضع الأكياس الفارغة في علاقة أو منضدة خاصة أو كيس كبير لتستعملها لاحقاً. ولا تلبث السيدة والخادمة أن تلاحظا تكدّس الأكياس وتزايد أعدادها سريعاً. فتحاولان التخلّص منها بشتى الوسائل: توضيب ثياب الشتاء أو الصيف، ودرّاجة الصبي وألعابه القديمة، شاشة كومبيوتر، وسادة، مجموعة صحون، تغليف الخضار وفضلات الطعام الصالحة... غير أن الأكياس لا تنضب. ثم يستخدمانها لرمي القمامة.

عندئذٍ، يجد الكيس نفسه في مكب النفايات، ليبدأ «حياة» جديدة تشكل خطراً على حياة البشر وصحتهم وسلامتهم. ويقدّر عدد الأكياس المستهلكة كل سنة في العالم، بنحو 500 بليون، ما يعادل مليون كيس في الدقيقة. وكلها تهدد البيئة. فهي لا تتحلّل في الطبيعة، كالمواد العضوية، بل تدوم نحو 1000 سنة في التربة و450 في الماء، أي أنها تفوق أعمار البشر (وهناك أكياس للجثث). وربما تجاوزت عمر الأرض، فإذا حصل أي «مكروه» لكوكبنا، تبقى هي سابحة في عتمة الفضاء الشاسع.

والأكياس التي تبلغ البحار، عبر الأنهار ومجاري الصرف، تقتل مخلوقاتها كل يوم، إذ تسدّ أحشائها إثر ابتلاعها، فتصاب بالجوع ولا تعود تستطيع الأكل، فتنفق ببطء. حيوانات أخرى تعلق داخلها وتموت غرقاً... وتحصل الحوادث نفسها للحيوانات البريّة.

وفي التجمعات العمرانية، تتسبّب أكياس البلاستيك بانسداد شبكات المياه، وتشكّل خطراً مباشراً على البشر، كالطفل الذي دسّ رأسه في الكيس ليختبئ من أمّه، فكاد يختنق. ونراها حائمة في سماء المدينة، وعالقة في أغصان الشجر وقضبان الأسوار... ويوصّل بعضها ببعض لتشكل سقيفة يحتمي تحتها المشرّدون من الأمطار.

وتُجمِع المواد المختلفة في ملحق «أسرة» الذي يطرح مسألة أكياس البلاستيك على أن محاولات التخلّص منها، إما بإعادة التصنيع (الرَسْكلة)، أو حرقاً، أو بإعادة استخدامها لأغراض أخرى، كالقطع الفنية وما شابه... كلها باءت بالفشل. ولم يفلح استبدالها بأكياس بلاستيكية أخرى قابلة للتحلل، لأن هذه أغلى ثمناً. ويقول في هذا بقال مغربي مضطلع: «لا فضل لكيس بلاستيك على آخر سوى بالتحلل».

ولربما شكّل كيس البلاستيك يوماً الأثر الوحيد للبشر بعد فنائهم!.

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...