أمل عرفة : خطوات باتجاه الأجمل
للشعر حالة قدسية شديدة الرهافة والحسّ، ومذهلة في قدرة اختزال الحياة وأشكالها وتحويلها إلى رنات وإيقاعات موسيقية متباينة ومختلفة، عبر صياغة اللغة للكلمات والصور. تكاد تبدو الحالة سحرية، عندما تنقلنا من الأرض إلى أرض أخرى، وخصوصاً عندما يرافق الشعر آلة موسيقية تلازمت في أذهاننا مع أنثى الأساطير.. شموعٌ تضاء هنا وهناك، ومكانٌ ولا أجمل (دار الفنون)، وجمهورٌ غاية في الخصوصية والرغبة في السمع والإصغاء، واثنتي عشرة شاعرة جئن من كافة أرجاء الوطن العربي ليقرأن أشعارهن على أسماعنا، من قلب دمشق النابض بالحب والدفء، وصمت ليل دمشق الخجولة...
هذا ما حدث عبر ليلتين، تواصلت فيهما فعاليات ملتقى الشاعرات العربيات الأول، تحت عنوان "48 ساعة شعر" أمس وأول أمس..
طلبت مني الصديقة والشاعرة هالة محمد، وهي صاحبة الفكرة الأساسية للمشروع، أن أقدّم الشاعرات، فلم أتردَّد في الموافقة، لاسيما أنَّ الفكرة شغلتني.. وزاد حماسي أني سأعتلي الخشبة بمرافقة قامة فنية وثقافية أحترمها كغسان مسعود...
ما أريد قوله ليس فقط الحديث عن هذه الفعالية، رغم أني هنا أسجل إعجابي بها، لكني أيضاً أريد تسجيل إعجابي واعتزازي بأية فعالية ثقافية تطلق بشكل خاص عبر مجموعات تعنى بشأن الثقافة، ولا تبحث عن ربح مادي، بل عن التأكيد على حضور الشأن الثقافي والإمكانيات الهائلة التي تستطيع الثقافة أن تغيّر عبرها وجهة نظر أو اتجاهاً فكرياً أو اجتماعياً، أو تنويراً ما في مجال ما، أو حتى ترتيباً لما يحدث في أحد الشوارع. وهذا ما حدث في "مشتى الحلو" إحدى البقع الساحرة الموجودة في سورية، والتي تبدو وكأنها الجنة على الأرض، بطبيعتها الشديدة الخضرة والجمال، فما بالي وقد زرتها منذ أيام، ورأيت قطعاً فنية نحتها أهم النحاتين السوريين، ووزعت هنا وهناك في شوارعها، وذلك أيضا عبر نشاط حر قاده الفنان (فارس الحلو)، ليتحوّل مشتى الحلو إلى متحف طبيعي تتجوّل فيه لترى طبيعتين؛ واحدة في جمال الطبيعة الإلهية، وأخرى الطبيعة المصنوعة و"غير المفبركة" والمتجلية في فن النحت وحجم التعب والجهد والحرص والالتزام الذي لابدَّ وأن يشعر به كل من يمر من هناك، عندما يلمس حالة الجمال بعينيه وروحه، ليشدّ على أيادي من أضافوا على جمال المكان جمالا من نوع آخر، فبدا لي أيضاً شعراً، وذلك كله عبر "ملتقى النحاتين السوريين"...
لعمري، ظاهرتان كهاتان الظاهرتين اللتين شهدتهما بأم عيني، لجديرتان بأن نصفق لهما طويلا، وأن نتمنى ألا تتوقف تلك النشاطات، لكي تكثر أيادي المثقفين السوريين الممتلئين حباً لسورية ولأرضها ولتاريخها أيضاً؛ فكلّ منا مسؤول من موقعه، وما أكثر ما يحبطني أن أسمع تعليقاً لأحد ما يجهض فرحتي بهذه الفعاليات أو يحبط القائمين عليها والمتحمسين لها. ولعلَّ ما يؤلم أكثر أن يكون هذا التعليق صادراً عن أحد يعتبر نفسه مثقفاً، يلقي بجوهرته رأياً ساخراً على مسمع الآخرين؛ فقط بهدف تحقيق فتور مشروع، من شأنه أن يدير موجة الضوء من السلبي، لينير الإيجابي بكل المقاييس التي تتضافر الجهود لإنارته...
أريد أن أختم لأقول إنَّ فناً دون مشروع ثقافي ليس بفن، وحضارة دون مشاريع ثقافية ستبقى مدناً وخرائط دون تاريخ، ولن تنتج سوى شعوباً دون ذاكرة ودون مسؤولية ودون وعي وحرص على التطور إنسانياً...
وأعاود تسجيل إعجابي بكل سوري يتدفق حباً لبلده، ويقدّم ما لديه من مخزون ثقافي لشأن التطور بكافة أشكاله وصوره ومقاييسه.. الجمال!!! إنَّ الله يحب الجمال.
أمل عرفة
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد