إسرائيل تبدأ بالحديث عن مفاوضات سياسية
بعدما عجزت الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان منذ اسبوع عن حسم المعركة فتحت القيادة السياسية الإسرائيلية، أمس، كوة صغيرة للعمل الدبلوماسي. وفيما أكدت مصادر سياسية وعسكرية أن المهلة الممنوحة للجيش لإنجاز مهماته باتت تنفد، أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني أن ساعة العمل السياسي قد دقت.
وبعدما أفلح حزب الله في إطلاق أكثر من ألفي صاروخ على المستوطنات الإسرائيلية على عمق 50 كيلومترا من الحدود، كف الجيش الإسرائيلي عن الحديث عن تصفية وطحن وهرس قوة الحزب وصار يتحدث عن إنهاكه وإضعافه. وعوضاً عن التصريحات الأولية التي اعتبرت أن الحزب لن يصمد ثلاثة أيام أمام سياسة التهشيم، صارت الأصوات ترتفع بضرورة الابتعاد عن العملية البرية.
وبرغم تصريحات رئاسة الحكومة وقادة الجيش الإسرائيلي بأن العملية تحتاج إلى أسابيع، كثرت الأحاديث عن أن فترة السماح الدولية للجيش الإسرائيلي تنتهي هذا الأسبوع أو مطلع الأسبوع المقبل. ويعتقد عدد من المعلقين أن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل باتا يخشيان من عواقب خطأ غير متوقع سواء تمثل في مجزرة كبيرة تقع في الجانب اللبناني جراء القصف الإسرائيلي أو في الجانب الإسرائيلي جراء صاروخ لحزب الله. وتنبع هذه الخشية من أن الخطأ في الجانب اللبناني سيعري إسرائيل من التأييد الدولي الذي تحظى به، في حين أن الخطأ في الجانب الإسرائيلي سيلزم حكومة أولمرت بتصعيد الموقف درجات أعلى.
ويعتقد معلقون إسرائيليون أن الواقع القائم يعجز عن توفير حل يضمن وقف إطلاق النار لأسباب مختلفة. وهم لذلك لا يستبعدون لجوء كل من إسرائيل وحزب الله إلى تكتيك تخفيض الوتيرة. ويقضي هذا التكتيك باستمرار القتال بشكل متقطع وعبر تخفيف نطاقه، بحيث ينحصر في الجنوب اللبناني وشريط بعمق 20 كيلومترا داخل إسرائيل. وبكلمات أخرى، إذا كان أفق الاتفاق يبتعد، برغم الحديث عن قوات دولية، فإن المساعي تتركز على دفع الطرفين للقبول ميدانيا بتخفيض وتيرة القتال.
ونقل مراسلون عسكريون عن مصادر عسكرية عليا أن الجيش، من خلال عملياته، مهد الطريق لإسرائيل لتحقيق نصر سياسي، ومن واجب الحكومة أن تدرك أن مسألة حزب الله لا تحل بالطرق العسكرية. ومع ذلك، فإن هناك بين المعلقين العسكريين من يعتقد أن الحرب الجارية لم تصل إلى ذروتها بعد وأن الآتي أسوأ. ويشير هؤلاء على وجه الخصوص إلى قيام الجيش مؤخرا بنشر بطاريات صواريخ باتريوت قرب حيفا وإلى قرار اتخذ أمس بنشر بطاريات صواريخ حيتس في الشمال. واعتبر المعلقون أن ذلك يتم على أرضية الخشية من احتمال اندلاع مواجهة إقليمية تشارك فيها سوريا وإيران. وركز هؤلاء على أنه، وبرغم استبعاد المواجهة البرية، إلا أن الجيش الإسرائيلي يستعد لها ليس فقط من خلال تجنيد قوات احتياطية وإنما كذلك من خلال التدريبات التي ينفذها.
لعبة إيران
وفي حوار مع الدبلوماسيين الإسرائيليين أمس، قال رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت إن عملية حزب الله في الشمال ليست صدفة، بل تم تنسيقها مع إيران في مسعى لصرف الأنظار الدولية عن القضية النووية الإيرانية. وأضاف لأسفي، نجحت إيران في لعبتها. فالجميع يتذكرون قرار قمة الدول الصناعية بشأن لبنان، ولا ينشغلون بالموضوع الإيراني. ومع ذلك كرر موقفه بأن إسرائيل لن توقف عملياتها في لبنان قبل إعادة الجنود الأسرى وتنفيذ قرار قمة الدول الصناعية.
ولم يستبعد أولمرت المفاوضات السياسية لحل الأزمة شرط أن تستند إلى قرار مجموعة الثماني. وقال إن أحدا في الأسرة الدولية لا يطالبنا بوقف العملية قبل تنفيذ قرار مجموعة الثماني. ومن أجل تحقيق ذلك، من الجائز أننا سوف نحتاج لإجراء مفاوضات سياسية، ولكن ليس مع حزب الله. ومع ذلك شدد على أن بداية المفاوضات لن توقف العملية التي لن توقفها سوى إعادة الجنود.
وفي ما يتعلق بالقوة المتعددة الجنسيات التي يجري الحديث عنها، أوضح أولمرت أن هذا موضوع جيد لعناوين الصحف، ولكن تجربتنا تظهر أنه لن ينجم عن ذلك شيء. فهناك اليوم أيضا في لبنان قوة متعددة الجنسيات ونحن نرى ما الذي تفعله. ويبدو لي أن من السابق لأوانه الحديث في هذا الأمر.
وخلال زيارة مفاجئة لمدينة حيفا، بعد ساعات من تعرضها لقصف بأربعة صواريخ على الاقل، أبلغ اولمرت رؤساء بلديات من المنطقة الشمالية تعرضت بلداتهم للقصف أن اسرائيل ستهاجم منشآت حزب الله في لبنان إلى ان يطلق سراح الجنديين وينفذ لبنان القرار 1559 وينتشر الجيش اللبناني على طول الحدود. وقال <لن ننهي هذه العملية لنضطر بعد شهرين إلى استئنافها. ليس لدينا أي حدود زمنية> مضيفا <الهجوم سيستمر أيا كان الوقت الذي يحتاجه... سنظهر مرة واحدة ونهائية أن من المستحيل تركيع دولة اسرائيل>.
وساطة التغيير
وبدا أمس أن الأمم المتحدة تسعى، من خلال بعثتها، ليس إلى إعلان وقف لإطلاق النار وإنما إلى إبرام صفقة لتسوية كاملة في لبنان. وقال أعضاء بعثة الأمم المتحدة إن اللقاءات مع المسؤولين الإسرائيليين كانت إيجابية جدا. وأضافوا أن <الوضع اليوم هو أن الأمم المتحدة تتفهم تماما إسرائيل ووضعها. فالأمر ليس كما في السابق. والإسرائيليون قالوا إنهم يحتاجون إلى بعض الوقت للتفكير في اقتراحنا والرد عليه>.
وكرر أولمرت أمام بعثة الأمم المتحدة الرسائل التي أطلقها في خطابه أمام الكنيست أمس الأول، وأبلغها بأن إسرائيل تصر على تحقيق الشروط التي عرضتها قمة الدول الصناعية: الإفراج عن الأسرى من دون شروط، التطبيق الكامل لقرار 1559 ونشر الجيش اللبناني على الحدود مع تجريد حزب الله من سلاحه. وشدد أولمرت على أن إسرائيل ستواصل القتال ضد حزب الله وضرب أهدافه حتى إعادة الجنود الأسرى وضمان أمن مواطني إسرائيل.
ومهد رئيس طاقم رئاسة الحكومة، يورام طورفوفيتش، للقاء أولمرت مع البعثة الدولية باجتماع حضره كذلك المستشار السياسي شالوم ترجمان. وعرض الرجلان الأفكار الإسرائيلية لحل الأزمة مع لبنان. وبعد ذلك انضم إليهم أولمرت.
وفي اللقاء مع وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، قال تيري رود لارسن إن <الهدف هو العمل من أجل تغيير شامل للواقع الاستراتيجي على الأرض>. وأضاف <إن لم نفعل ذلك... فكأننا لم نفعل شيئا>. ردت ليفني <ما كان ليس ما سيكون>.
وركزت ليفني على البعد الأمني في التسوية التي يجري العمل على بلورتها، وقالت <لن نساوم على الوضع الأمني في الجنوب اللبناني. وإسرائيل تسعى لمنع استمرار نقل الأسلحة لحزب الله من إيران وسوريا. والمسألة ليست المساحة والمدى الذي لا ينبغي أن يتواجد فيه حزب الله، وإنما إنهاء خطر صواريخ حزب الله على إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية>. ولذلك طالبت ليفني بتجريد حزب الله فعليا من سلاحه مع تركيز على قدراته الصاروخية البعيدة المدى.
وركزت ليفني على الرغبة الصادقة في التوصل إلى تسوية مع الحكومة اللبنانية. وأشارت إلى أن <بسط السيادة اللبنانية على كل الأراضي مصلحة إسرائيلية، فحزب الله عبء على لبنان وليس ذخرا>.
وتم بحث الآلية الدولية التي يمكن أن تنشأ للعمل في المنطقة، وشددت ليفني على أن قوات الطوارئ العاملة في جنوب لبنان غير فعالة، الأمر الذي يوجب البحث عن أفكار أخرى جديدة. وأعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية بعد لقائها بعثة الأمم المتحدة أن <أهداف إسرائيل السياسية بعيدة المدى وأن النشاط السياسي تمحور حتى الآن بنجاح لنيل التأييد الدولي للعملية العسكرية، وها نحن ننتقل للمرحلة التالية>.
وقالت إن إسرائيل <تبدأ الآن بالعمل السياسي بموازاة العمليات العسكرية. فالعمليات العسكرية أعدت من أجل ضرب البنى التحتية والقوة المادية لحزب الله، فيما العملية السياسية لا ترمي إلى تقليص نافذة الزمن للعملية العسكرية وإنما أعدت لتكون امتدادا لها من أجل منع الحاجة إلى عمليات أخرى في المستقبل>.
وقالت ليفني للبعثة الدولية إنه <ليس سرا أن الحكومة اللبنانية لم تنجح حتى الآن في تنفيذ القرار .1559 وقرر رئيس الحكومة الدخول في حوار وطني مع حزب الله بدعوى أن الحكومة اللبنانية كانت ضعيفة وبودها تجنب حرب أهلية... غير أن عمليات الجيش الإسرائيلي أضعفت حزب الله ولذلك بوسع الحكومة اللبنانية العمل بقوة أكبر. وبمعاني كبيرة فإن العملية الإسرائيلية قدمت خدمة للحكومة اللبنانية وللأسرة الدولية>.
وفي ما يتعلق بالقوة المتعددة الجنسيات، قالت ليفني إن <تجربة الماضي مع القوات الدولية غير مرضية، ونحن سندرس السبل التي ترضينا. والمعايير هي: تنفيذ القرار 1559 ونشر الجيش اللبناني في الجنوب وإن كانت هناك مشكلة فعالية فسوف ندرس الأفكار التي تطلق في الهواء>.
وأعلن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أنه عشية بدء محاولات الوساطة الدولية بين إسرائيل ولبنان، ليست هناك <مهلة محددة لإنهاء العملية، لا نهاية هذا الأسبوع ولا مطلع الأسبوع المقبل ولا أي تاريخ آخر. وبالعكس فإن العملية العسكرية ستتواصل حتى تحقيق كل الأهداف التي وضعها رئيس الحكومة في خطابه في الكنيست>.
توجيهات عسكرية
وفي توجيه للصحافيين حول مجريات اليوم السابع من القتال، أشار رئيس شعبة العمليات في هيئة الأركان الإسرائيلية الجنرال غادي آيزنكوت، إلى أنه تم حتى الآن ضرب 180 منصة إطلاق صواريخ ومخازن كاتيوشا. وشدد على أنه تم قصف عدد من الشاحنات التي حاولت تهريب ذخائر من سوريا إلى حزب الله. وقال إن صواريخ سورية تطلق علينا، من دون أن تزال عنها اشارات التعريف.
وشدد آيزنكوت على أنه خلال اليوم الأخير حققت أسلحة الجو والبحر والبر غارات ناجحة جدا. ومع ذلك أبدى أسفه لأن القصف الصاروخي لا زال مستمرا، الأمر الذي يلزم سكان إسرائيل بالاستمرار في اتباع تعليمات الجهات الأمنية.
حاول آيزنكوت تبرير استمرار القصف الصاروخي من جانب حزب الله، وقال إن لدى هذه المنظمة صواريخ أخرى كثيرة، وهذه قدرة أنشأتها طوال عشر سنوات. وقد رأينا اليوم كيف أن بوسعه مواصلة إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
وقال آيزنكوت إنه برغم الأسلحة السورية بأيدي حزب الله هناك قرار بأن سوريا ليست هدفا. وبناء عليه فإن الجيش الإسرائيلي لا يعمل ضد القوات السورية وإنما فقط ضد حزب الله. ومع ذلك قال إنه أرسلت رسائل لسوريا ونأمل أن تتوقف هذه الظاهرة
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد