اختتام مهرجان أبي تمام الشعري
استضافت مدينة الموصل العراقية مهرجان أبي تمام الشعري في الفترة مابين 13 – 15 أبريل/ نيسان الحالي بنسخته الخامسة التي حملت اسم الشاعر العراقي محمود المحروق.
بدا واضحا أمام ضيوف المهرجان الأوضاع الصعبة والنتائج المدمرة التي مرت بها هذه المدينة، نتيجة للحرب الشرسة التي شهدتها ما بين الجيش العراقي وعناصر تنظيم «دولة الخلافة» التي استمرت بحدود تسعة أشهر، فكان من ملامحها أن تحولت جميع مرافقها الثقافية إلى حطام بعد أن كانت المدينة تفخر بما لديها من قاعات واسعة وفخمة، سبق أن شهدت أروقتها ومنصاتها دورات المهرجان السابقة، خاصة أولى دوراته التي أقيمت في 11 يناير/ كانون الثاني 1971 والتي تميزت بحضور لافت وكبير لأبرز شعراء العرب منهم على سبيل المثال نزار قباني، محمد الفيتوري، عبد الله البردوني، إضافة إلى الجواهري والبياتي وبلند الحيدري وآخرين. ونظرا لافتقاد اتحاد الأدباء في الموصل هذه الأيام إلى أبسط الإمكانات المادية، التي تجعله قادرا على أن يواصل تقديم برامجه الثقافية مع غياب الجهات الداعمة له، كان من المنطقي جدا أن تكون مشاركة الشعراء العرب شبه رمزية، قياسا إلى ما شهدته الدورات السابقة، فاقتصر الحضور على شعراء قدموا من سوريا وتونس ومصر والسعودية والجزائر.
وفي حديث مع رئيس اتحاد أدباء الموصل الشاعر عبد المنعم الأمير، أكد لنا أن «الاتحاد رفض العديد من عروض الدعم المادي، التي قدمتها شخصيات سياسية وحزبية، وأخرى رشحت نفسها للانتخابات البرلمانية المقبلة، لأنهم كانوا قد اشترطوا أن يكون المهرجان واجهة دعائية لهم». واضاف الأمير «أننا فضلنا في النهاية أن نتلقى دعما شخصيا قدمه لنا أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية باعتباره ابن هذه المدينة». واكد الأمير في حديثه لـ»القدس العربي» على أن «أدباء الموصل كان لديهم إصرار كبير على أن تستعيد الموصل دورها الثقافي الكبير الذي طالما عرفت به طيلة القرون الماضية من عمر العراق».
بناء على الظرف الذي أشرنا إليه أقيم حفل الافتتاح في قاعة «ليالي السعد» الصغيرة الحجم والمخصصة أصلا لإقامة المناسبات والأفراح الاجتماعية، ولعل إطلالتها على نهر دجلة حيث تقع عند الجهة المقابلة لمدينة الموصل القديمة، كانت له دلالته الرمزية، بعد أن تحولت المدينة إلى أنقاض فوق ساكنيها، إثر المعركة الأخيرة التي شهدتها أحياؤها السكنية ما بين تنظيم «الدولة» والجيش العراقي.
توزعت القراءات الشعرية على الأيام الثلاثة للمهرجان ما بين جلسات صباحية ومسائية. كما أقيم معرض فوتوغرافي على هامش فعالياته شاركت فيه مجموعة من المصورين المحترفين، إلى جانب عدد من الشباب الهواة تناولت جميع أعمالهم تفاصيل ما جرى على الموصل من أحداث نتيجة للحرب .كما زار الشعراء الأزقة القديمة لمدينة الموصل، واطلعوا على حجم الدمار الذي أصابها نتيجة للقصف الشديد الذي نال من تراثها الديني والحضاري الذي يعود إلى عشرات السنين.
ومن المواقف العاطفية التي شهدها المهرجان بكاء النحات العراقي نداء كاظم أثناء إلقاء كلمته في صباح اليوم الثاني من هذه الاحتفالية، إذ لم يستطع الاستمرار في إلقائها فاضطر إلى أن يغادر المنصة وسط تصفيق الحاضرين، يذكر بهذا الخصوص أن النحات نداء كاظم يعد آخر اسم من جيل النحاتين الرواد العراقيين وسبق له أن تولى تصميم تمثال كبير للشاعر أبي تمام في مطلع سبعينيات القرن الماضي، إلا أن تنظيم دولة «الخلافة» أزال التمثال وحطمه في الأيام الأولى من سيطرته على الموصل، وكان ذلك سببا في أن يذرف دموعه على ما آلت إليه المدينة التي ازداد عشقه لها – حسبما جاء في مقدمة كلمته – بعد أن وجد عمله النحتي وقد أصبح أثرا بعد عين، بينما كان ولأكثر من أربعين عاما يقف شامخا على قاعدة مرتفعة تطل على نهر دجلة الخالد، وكأن هذا الحدث إشارة على بؤس ما وصلت إليه الأحوال في بلاد ما بين النهرين التي كانت تحتفي برموزها الأدبية وتضعهم في واجهة المشهد الحياتي. "
مروان ياسين الدليمي: القدس العربي
إضافة تعليق جديد