الأزمة اللبنانية الدستورية: قوى 14 آذار تحاول الخروج من عنق الزجاجة
انتقل لبنان من مرحلة أزمة الحكم والحكومة الى مشارف أزمة وطنية كبرى، وباتت خيارات الاطراف الاساسية في لبنان مفتوحة على احتمالات تتراوح بين الصحوة الوطنية أو العربية التي تفتح الباب أمام تسوية سياسية ما، وبين خيار الذهاب الى مواجهة سياسية وشعبية ودستورية يبدو أن الجميع يتهيبها ولو انه يمضي عمليا نحوها.
اذا صحت الفرضية الاولى، فإن الاتصالات التي سبقت اجتماع قوى الرابع عشر من آذار، في قريطم، ستتواصل اليوم، وبدور أساسي للمملكة العربية السعودية بشخص سفيرها عبد العزيز خوجة، ولبعض المواقع الدولية، سعياً الى مخرج يؤدي الى تأجيل جلسة مجلس الوزراء اللبناني المقررة عند الثانية عشرة ظهر اليوم، في المقر المؤقت في المجلس الاقتصادي الاجتماعي، أو إفقادها نصابها بشكل متعمد.
واذا تأمن التأجيل المخرج، فإن العودة الرجعية عن الطلاق بين الاكثرية والمعارضة تصبح واردة، ويتفادى الجميع إشكالية الدخول في نفق أزمة دستورية وميثاقية ووطنية كبرى، بدا الجانب الاخطر فيها، هو سعي بعض الاطراف الى إضفاء طابع مذهبي عليها، خاصة من خلال الربط بين استقالة الوزراء الشيعة الخمسة وقضية المحكمة الدولية، علما ان الوقائع في جلسة التشاور الوطني ما قبل الاخيرة، وفي الخلوات التي ترافقت معها، كانت توحي بشكل واضح برغبة فريق الاكثرية بالمقايضة، وهو الامر الذي أظهرته المحاضر المسربة، فيما كان جواب مدير التشاور الرئيس نبيه بري بأنه يرفض المقايضة وان موضوع الثلث الضامن متصل بالشراكة الوطنية وليس بأي عنوان سياسي آخر.
واذا تعذر المخرج التأجيل، فإن الامور متجهة نحو أزمة قابلة لان تتحول الى مواجهة سياسية ودستورية، يبدو أن الجميع بات يضعها في الحسبان ويرسم لها سيناريوهات، تنتظر فقط تحديد ساعة الصفر.
كانت الدعوة الى جلسة مجلس وزراء استثنائية اليوم متوقعة، منذ يوم الخميس الماضي، لكن لم يكن واضحا بعد جدول أعمالها، خاصة أنه كان قد أعلن مسبقا ان رئيس الحكومة اللبناني سيتوجه في اليوم نفسه الى اليابان وكوريا الجنوبية، ولكن برزت إشارات الى اقتراب موعد وصول مسودة المحكمة الدولية على طاولة التشاور، عندما برز إصرار واضح من قبل كل من النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط على مقايضة موضوع المحكمة الدولية بحكومة الوحدة الوطنية، وبرز الامر جليا عندما دخل الحريري على الاجتماع الثلاثي الذي ضم رئيس مجلس النواب اللبناني بري والنائبين محمد رعد وعلي حسن خليل، على هامش التشاور، طالباً بشكل واضح تعهداً بقبول المحكمة مقابل تمرير الثلث المعطل، وكان جواب الرئيس بري بأنه لا ضرورة للربط اولا ولننتظر وصول المسودة ثانيا، فكان جواب
زعيم الاكثرية ان المسودة ستصل غدا (يوم الجمعة الماضي)، وتقرر البحث عن صيغة لتثبيت توافق ما حصل بين الجانبين.
وحسب الوقائع نفسها، فإن شيئاً ما حصل صباح يوم الجمعة، تزامن مع تسلم المسودة النهائية رسميا، حيث بدأ رئيس الحكومة اللبنانية مشاوراته، خاصة مع رئيسي الجمهورية اللبنانية والمجلس النيابي لعقد جلسة استثنائية يوم الاثنين لإقرار المسودة، وعندما تبلغ وجوب التريث بانتظار الانتهاء من التشاور، كان الجواب توزيع جدول أعمال الجلسة ببندها الوحيد وهو المسودة والاتفاق المرفق بها بين لبنان والامم المتحدة.
جاءت مناخات جلسة السبت مغايرة للجلسة التي سبقتها يوم الخميس الماضي وما تلاها من اتصالات، وبدا كأن سمير جعجع هو الناطق باسم الآخرين، فقد تحدث أكثر من مرة باسم قوى الرابع عشر من آذار، وعلت نبرة رفض المقايضة، في محاولة لإظهار الرئيس بري عراباً لأمر حاول التنصل منه، وهو قال صراحة للجالسين ان المقايضة بدأت عندما زاره وفد الرابع عشر من آذار قبل يومين من بدء التشاور وأبلغه حرفيا أعطنا المحكمة نعطك الثلث المعطل، وعندما اشتم الرئيس بري رائحة انقلاب شبيهة بما جرى مع اتفاق الرياض قبل نحو سنة تقريبا، قال للمشاركين في التشاور: أستودعكم الله الى حين عودتي. وعند عودتي من السفر سأرى، ولن أدلي بتصريح الآن، وليصرح كل واحد حسب ما يراه مناسبا.
من المجلس النيابي اللبناني، الى الضاحية الجنوبية اللبنانية، اختلى الرئيس بري بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وأبلغه بالوقائع التي حصلت وبأن هناك من يريد اعتماد منطق العزل نفسه اليوم، وان ثمة انقلاباً حصل على التشاور، وتم تكليف كل من المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل والمعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل بإعداد بيان استقالة الوزراء الشيعة الخمسة، فيما كانت طائرة الرئيس بري تقلع من بيروت باتجاه طهران.
وحسب الوقائع نفسها، فإن الاكثرية كانت عازمة على تمرير جلسة الحكومة اليوم، مهما كلف الامر، وعلى هذا الاساس، تم التعامل مع طلب رئيس الجمهورية تأجيلها لمزيد من درس المسودة، حيث تم توزيع جدول الاعمال ودعوة الوزراء فضلا عن إصدار رئيس الحكومة بيان رفض استقالة الوزراء الشيعة، فيما كان رئيس الجمهورية يتخاطب بواسطة الكتب مع رئيس الحكومة ويبلغه خطيا أنه في ضوء استقالة جميع الوزراء من فئة معينة، باتت الحكومة فاقدة الشرعية الدستورية ومناهضة لمبادئ الدستور وأحكامه، بحيث يكون كل اجتماع لمجلس الوزراء في ظلها باطلاً بطلاناً مطلقاً وغير دستوري وما بُني على باطل فهو باطل.
وأرسل الوزراء الخمسة، امس، استقالاتهم خطياً الى رئيس الحكومة، وسيبادرون اليوم الى توثيقها في الامانة العامة لمجلس الوزراء، وقال الوزير المستقيل محمد جواد خليفة ان الرئيس بري ترك من طهران الابواب مفتوحة لإمكانية الحلول، لكن الرد جاء استفزازياً وغير مبرر. فيما قال الوزير يعقوب الصراف انه سيجري اتصالات مع عدد من حلفائه لبحث إمكانية استقالته من الحكومة.
وحاول رئيس الحكومة طرق أبواب القصر الجمهوري امس للبحث مع الرئيس لحود في ملاحظاته على المسودة لكن لم يأته أي رد من القصر الجمهوري. وفي وقت لاحق، كرر السنيورة دعوة لحود للمشاركة في جلسة اليوم، وقال له في كتاب رسمي: من البديهي ان مجلس الوزراء سيعمد الى مناقشة وجهات النظر وكل الملاحظات المطروحة ولن يكون قراره إلا بعد التأكد من سلامة هذا القرار وشموله كل المعطيات التي تمكّن لبنان من كشف هذه الجريمة بعدل وشفافية.
ورد الرئيس لحود ليلا على رسالة السنيورة ليخلص الى عدم التجاوب مع التمني الذي أبداه الاخير لحضور رئيس الجمهورية جلسة مجلس الوزراء لان انعقادها مخالف لمقدمة الدستور والمادتين 52 و.95
اجتماع وبيان لقوى 14 آذار وتزامن ذلك مع تحركات موازية قام بها كل من السفير الاميركي جيفري فيلتمان باتجاه قوى الاكثرية طالبا من أقطابها تجاوز الاشكالية الدستورية وإقرار المسودة سياسيا في مجلس الوزراء، فيما كان المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة غير بيدرسن يحاول إيجاد مخرج يمنع أي طعن دستوري بالموافقة على المسودة، أما السفير السعودي فقد التقى عددا من الشخصيات من قوى الاكثرية وأبرزها رئيس الحكومة، ساعيا الى توفير مخرج، لكن الامور بدت أصعب مما كان يتوقع، خاصة أن التطورات كانت تتسارع وبلغت ذروتها مع اجتماع قوى الرابع عشر من آذار في قريطم، وإصدارها بيانا تضمن لهجة تصعيدية ضد حزب الله والرئيس بري والعماد عون، واعتبرت فيه الانسحاب الشيعي من الحكومة محاولة للالتفاف على المحكمة الدولية وأن تعطيل المحكمة وحماية المجرم والامعان في إطلاق يد الدمار هي مسؤولية نظام قاتل ومعروف، وأكدت انها ستتصدى لهذه المحاولة ولما أسمتها الخطة السورية الايرانية المكشوفة للانقلاب على الشرعية ومنع قيام المحكمة وتعطيل القرار 1701 وإجهاض مؤتمر باريس 3 وصولا الى عودة البلاد الى قبضة الوصاية السابقة.
وعلمت السفير انه تم تشكيل لجان من قوى الرابع عشر من آذار، في إطار تحضير كل البنية اللوجستية للانتقال الفوري الى الشارع في مواجهة أي تحرك للمعارضة، في العاصمة والمناطق وخاصة في منطقة وسط بيروت وتحديداً قبالة السرايا الكبيرة.
من جانبه، باشر كل من حزب الله والتيار الوطني الحر وأمل إجراء أوسع مروحة ممكنة من الاتصالات السياسية مع الحلفاء سعياً الى وضع برنامج تحرك تتبلور معالمه في ضوء ما ستقدم عليه الحكومة اليوم. وينعقد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بهيئتيه الشرعية والتنفيذية اليوم لاتخاذ موقف سياسي، فيما تجول وفود من حزب الله على الحلفاء، وكان لافتا للانتباه ان كلاً من السفيرين بيدرسن وفيلتمان سيزوران اليوم على التوالي النائب ميشال عون في الرابية.
وحذّر النائب عون من كارثة ستقع على البلد اذا لم تفهم الاكثرية جدية استقالة الوزراء الخمسة. وكشف ان الاكثرية عرضت تمثيله بأربعة وزراء على حساب حصة الوزراء الشيعة وان العرض كان مجرد مناورة. واعتبر ان الاستقالة أروع عمل تم إنجازه لحل المشكلة سلميا من دون النزول الى الشارع، فالحديث عن الشارع سابق لأوانه. وتساءل: من قال اننا ضد المحكمة الدولية، هم يعملون على تعطيل المحكمة الدولية عبر خربطة الوفاق الوطني، بسبب تضمن مشروع المحكمة بنوداً لا تعجبهم كوصف الجريمة بالعادية لا بالارهابية.
وفي طهران، اعتبر الرئيس بري بعد لقائه وزير الخارجية الايرانية منوشهر متكي، ان الوضع وصل الى الطلاق، ولكن هذا لا يعني الوصول الى حائط مسدود لأنه يمكن الرجوع عن الطلاق، وهذا بيد الاكثرية، وقال: تصرفنا تصرفا ديموقراطيا، وعندما لم نستطع أن نجد حلا للمشاركة التي طالبنا بها وجدنا من المناسب أن نلجأ للمبدأ الديموقراطي الذي يقول الاكثرية تحكم والاقلية تعارض.
وقال نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لرويترز ان الاستقالة خطوة أولى. وهناك خطوات اخرى سنناقشها مع حلفائنا بالتفصيل وسنعلن عنها تباعا لان برنامجا للتحرك سيكون موجودا لإنقاذ البلد من هذه العقلية. وقال ليقوموا بتجربتهم وحدهم وليتحملوا مسؤوليتهم، من هنا كانت الاستقالة من الحكومة، ونحن في الموقع المعارض الذي سيتخذ الاجراءات التي يعتبرها مهمة لإنقاذ البلد من خلال تحركه من دون أن نلزم أنفسنا الآن بمطالب وأسقف وعناوين.
وقال قاسم لا علاقة للمحكمة الدولية من قريب أو بعيد بما حصل في إفشال جلسة التشاور... وانما زجت كي لا تتحمل الاكثرية النيابية مسؤولية إفشال التشاور.. لكنها مسألة مفضوحة بالكامل، لم يكن هناك مطلب على جدول الاعمال إلا حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخابات.
وقال قيادي بارز في حزب الله ان استقالة الوزراء الخمسة ليست مناورة بل هي خطوة جدية ونهائية وستليها خطوات أخرى، بعدما وصل خيار بالتي هي أحسن الى أفق مسدود. وأضاف كنا حاضرين للمضي بالمحكمة الدولية ونحن وافقنا على المبدأ قبل سنة برغم هواجسنا ومن ثم في مؤتمر الحوار الوطني وقلنا في التشاور وقبله وبعده اننا مع المبدأ وسنناقش التفاصيل في هذه الحكومة أو في حكومة الوحدة الوطنية، ولو قبلوا معنا خيار التوسيع أو التعديل، لكانوا وفروا إجماعا وطنيا على قضية لا يختلف لبنانيان عليها.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد