الأمن السياسي اللبناني وإشكالية الخيارات

23-09-2006

الأمن السياسي اللبناني وإشكالية الخيارات

الجمل:  تؤكد الحتمية الجغرافية بأن القطر اللبناني يقع ضمن منظومة الفضاء الجيو-سياسي الشرق الأوسطي، وحصراً في قطاعه الشرق متوسطي، وعلى وجه الخصوص ضمن مثلث: سوريا- لبنان- إسرائيل، وقد فرضت هذه الحتمية أن يكون لبنان ضمن دائرة ونطاق واحدة من أكثر المناطق سخونة في العالم، وعلى هذه الخلفية، يمكن تحديد مهددات الأمن السياسي اللبناني على النحو الآتي:
• مهددات اقتصادية: وتتمثل في ضعف البنى التحتية، والإنتاجية الصناعية والزراعية، واعتماد الدخل الوطني اللبناني على السياحة الموسمية، إضافة إلى الاعتماد على المعونات الخارجية، وتفشي الفساد المالي والإداري البيروقراطي، حيث  أدى كل ذلك إلى المزيد من التشوهات في الاقتصاد اللبناني على المستويين الكلي والجزئي، ويؤكد ذلك بوضوح، ارتفاع مستويات الدين العام، والبطالة، والتضخم، وغلاء الأسعار، وتزايد حركة التهريب، وارتفاع الضرائب والرسوم.
• مهددات اجتماعية: وتتمثل في عملية الاستقطاب الطائفي، وتبلورها ضمن محاور مركزية، أدت احتقاناتها إلى دفع لبنان إلى أتون محرقة الحرب الأهلية المدمرة، وما زالت حتى الآن تهدد بالمزيد من الصراع، والحروب الداخلية، كذلك أدت عملية الاستقطاب هذه إلى تهديد عملية التكامل الوطني الاجتماعي، إلى المزيد من لجوء القوى الطائفية اللبنانية إلى عملية الاستقواء بالأطراف الخارجية مثل فرنسا وبريطانيا وأمريكا وإسرائيل، الأمر الذي أدى لإشعال صراع مكاسرة الإرادات الطائفية بشكل غير مسبوق في لبنان.
• مهددات سياسية: وتتمثل في الاعتماد على وقود الطائفية والمال السياسي، في توجيه العملية السياسية الوطنية اللبنانية، فالأحزاب السياسية الرئيسة في لبنان تقوم على أساس الهياكل الطائفية، وبالتالي توجه الهياكل والمرجعيات الطائفية عملية صنع واتخاذ القرار السياسي الحزبي.. ليصبح مجلس النواب اللبناني مسلوباً غير قادر على الحركة السياسية إلا ضمن السقف الطائفي.. أما المال السياسي، فقد ظل دائماً هائل التأثير في الانتخابات البرلمانية، وأيضاً في عملية توجيه القرار السياسي، على نحو أخل بتوازنات المصالح الوطنية اللبنانية، وجعلها إما أن تكون لمصلحة بعض الأفراد، أو لصالح القوى الأجنبية المرتبطة بالأجندة الإسرائيلية.
• مهددات عسكرية: وتتمثل في الخطر العسكري الداهم الذي يمثله الجيش الإسرائيلي، واعتداءاته المتكررة: جواً، بحراً، وأرضاً ضد لبنان، وقيام إسرائيل بتجنيد المرتزقة والمنشقين اللبنانيين من أجل استهداف وحدة وسيادة وموارد لبنان المادية والبشرية، ويقابل هذا التهديد ضعف القوات المسلحة اللبنانية، أو بالأحرى عملية إضعافها بوساطة النخب السياسية اللبنانية المرتبطة بالغرب، بشكل أقعد الجيش الوطني اللبناني عن القيام بدوره الوظيفي في التصدي للاعتداءات الإسرائيلية، وذلك على النحو الذي خلق فراغاً استراتيجياً أمنياً عسكرياً في لبنان عامة، وفي جنوب لبنان خاصة، الأمر الذي دفع سكان الجنوب اللبناني إلى الاعتماد على قدراتهم الذاتية في التصدي للاعتداءات الإسرائيلية، بعد تيقنهم وإدراكهم التام والواضح بأن النخب الـ(بيروتية) الحاكمة، لن تدافع عنهم إلا بالخطب والتصريحات الإعلامية.
المهددات الأربعة الرئيسة التي أشرنا إليها، ظلت تتفاعل منذ أكثر من خمسين عاماً، وبعض عناصرها يمتد بجذوره إلى فترة الحكم الفرنسي الاستعماري، وبالذات ظاهرة الاستقواء بالأجنبي في مواجهة الفئات الاجتماعية الوطنية الأخرى وقد أدى تراكم هذه المهددات وتداعياتها إلى أن تأخذ أبعاداً يمكن توضيحها على النحو الآتي:
- الأبعاد المؤسسية الهيكلية: أصبحت كل جماعة طائفية تشكل دائرة اقتصادية، سياسية، اجتماعية، مغلقة.. وتتمترس ضمن حدود تصبح مغلقة تماماً إزاء الآخرين في وقت الصراع، وشبه مغلقة في أوقات السلم والانفراج.
- الأبعاد القيمية الوظيفية: ضمن الدوائر المغلقة التي أشرنا إليها، أصبحت كل محاولات التكامل الوطني الاجتماعي، والحوار الوطني، والتفاهم البيني داخل لبنان تصطدم وتقف تماماً أمام المزيد من الأسوار الحاجزة والخطوط الحمراء، والتي ظلت ترسمها على الأغلب فرنسا، في الماضي.. وحالياً أمريكا وإسرائيل.. هذا على الصعيد القيمي.. أما على الصعيد الوظيفي، فقد أصبحت هذه الدوائر والكتل المغلقة تقوم بممارسة المزيد من المناورات الأكثر خطورة على وحدة وسيادة لبنان، وذلك لأنه على خلفية انكسار الإطار القيمي السياسي، قامت نخب هذه الدوائر المغلقة بكسر الإطار الوظيفي السياسي، على النحو الذي دفع إلى الساحة اللبنانية التيارات والقوى السياسية التي تشكل خطراً داهماً،  ضد لبنان نفسه، ومن أمثلة هذه القوى التي أنجبتها التفاعلات السياسية التي بدأت منذ انعقاد مؤتمر المانحين بباريس، والذي أطلق العنان لإسرائيل من أجل أن تشرع في تنفيذ خطة المحافظين الجدد التي أشرف على وضعها اليهودي الأمريكي ريتشارد بيرل بطلب من بنيامين نتنياهو. والجدير ذكره أن هذه الخطة تتضمن فصلاً كاملاً حمل عنوان (تأمين الحدود الشمالية) وهو عنوان لا يقصد تأمين خط الحدود بين لبنان وإسرائيل، بل يضع لبنان كله ضمن حدود إسرائيل الشمالية، ويعتبره بوابة لتأمين هذه الحدود والتي وصفها أحد المحللين بأنها تمتد –وفق فهم المحافظين الجدد- حتى منطقة بحر قزوين.
الآن، على خلفية انقسامات البيئة السياسية اللبنانية، فإن الخيار أصبح واضحاً بين تعزيز الاستقلال الوطني اللبناني ضمن المعطيات والمحددات الجيوبوليتيكية للبيئة العربية، وبين المضي قدماً في خدمة أجندة تجمع الليكود الإسرائيلي، التي تدعمها أمريكا علناً، واللوبي الإسرائيلي الفرنسي.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...