الإدارة الذاتية في شمال سوريا: مقدمات للانفصال بتشجيع أمريكي
تتباين وجهات النظر حول الإدارة الذاتية التي كرّستها «وحدات حماية الشعب الكردي» في شمال سوريا، والتي تشكل بطبيعة الحال العماد الاساسي لهذه الادارة فضلا عن العمل على تأسيسها. وفي وقت يعتبرها البعض حقاً مشروعاً يمثل ضرورة لصعود «القضية الكردية» خصوصاً في الآونة الأخيرة كسياق طبيعي لتطورات الأزمة السورية، إلا أنها تطرح في أوساط عدة تساؤلات حول الدور المستقبلي الذي يمكن أن تلعبه ضمن مخطط غربي لتقسيم الدولة السورية.
التساؤل الأبرز يكمن في كون هذا النموذج جزءا من المنظومة الامنية التي بنتها الأحزاب الكردية، بهدف حماية المناطق ذات الغالبية الكردية في الشمال السوري في زمن الحرب، أو أنها تشكل بالفعل تجربة لنموذج ادارة محلية للحكم بات الحديث حوله يتصاعد في دوائر الحكم الغربية، من خلال اعتبار مسألة انشاء حكومات محلية في المناطق التي يتم إخراج تنظيم «داعش» منها في العراق وسوريا الحل الأنجع.
بنيت الادارة الذاتية الكردية على «ميثاق العقد الاجتماعي» الذي يتألف من 9 أبواب تتضمن 98 مادة، يشير الميثاق في المادة الاولى إلى أن مقاطعات الادارة الثلاث هي عين العرب (كوباني) والجزيرة وعفرين، كما يشير في فقرته الأولى من المادة الثالثة إلى أن «سوريا دولة حرة ديموقراطية مستقلة ذات سيادة، ونظامها برلماني اتحادي ديموقراطي تعددي توافقي»، وفي الفقرة الثانية يعتبر أن مقاطعات الإدارة الذاتية الديموقراطية (الجزيرة ـ كوباني ـ عفرين) هي جزء من سوريا جغرافياً، وأن مدينة القامشلي هي «مركز الإدارة الذاتية الديموقراطية في مقاطعة الجزيرة».
لا يغلق الميثاق أو يحدد عدد الاراضي التي يمكن أن تكون ضمن حدود الادارة الذاتية، فالمادة السابعة تعطي «الحق» لأية مدينة أو منطقة جغرافية في سوريا بالانضمام إلى مقاطعة «الإدارة الذاتية الديموقراطية»، بعد قبولها «العقد الاجتماعي». يوضح العقد في المادة الحادية عشرة أنه لمناطق الإدارة الذاتية علم وشعار ونشيد ويحدد بقانون، أما المادة الثانية عشرة فتشير إلى أن «هذه الإدارة تشكل نموذجا للإدارة الذاتية الديموقراطية في سوريا، وجزء من سوريا المستقبل التي يجب أن تتأسس على نظام اللامركزية السياسية، باعتبار أن النظام الاتحادي هو النظام السياسي الأمثل لسوريا، وتنظم العلاقة بين الإدارة والمركز على هذا الأساس».
تمثل «وحدات حماية الشعب» الكردية الجهة «الوحيدة المسؤولة» عن حماية والدفاع عن المقاطعات، ولهذه المناطق هيئة أمن داخلي متمثلة بالإدارة العامة لجهاز «الاسايش». وقد أعلن منذ شهرين عن انضمام مدينة تل أبيض، الواقعة على الحدود السورية - التركية، إلى «مقاطعة كوباني»، لتصبح خاضعة لسلطة الادارة الذاتية.
وتسعى حكومة الادارة الذاتية إلى تثبيت نفسها ضمن المقاطعات من خلال تفعيل دور المؤسسات الرسمية، فهي أسست مفهوم الخدمة الالزامية في «وحدات الحماية» والذي يسمى بحسب القانون «واجب الدفاع الذاتي». تشير المادة الثالثة منه أن سن التكليف للخدمة الالزامية هو بين 18 - 30 سنة للذكور، أما للاناث فهو تطوعي، ومدة الخدمة ستة أشهر. مع مرور الوقت بدأت آلية التدريب والهيكلية العسكرية لمؤسسة الدفاع الذاتي تتبلور وتأخذ مكانها، حيث أصبحت هناك معسكرات وشعب نظامية، ومع دخول المعارك أوجها في بلدة تل تمر وريف رأس العين، تطوع عدد من عناصر «الدفاع الذاتي» بشكل كيفي.
وضمن تثبيت حكم «الادارة الذاتية»، شكل الاقتصاد العصب الاساسي لها، وبشكل خاص القطاع النفطي، حيث يعتبر حقل رميلان من اهم الحقول النفطية في شرق سوريا، ويعمل الاكراد على استخراج النفط وتكريره وتوزيعه، مما يشكل لهم مردودا يدعم دورة الحياة الاقتصادية في مقاطعات تقع ضمن طوق من نار، تركي شمالا والتنظيمات المتشددة جنوبا.
ويشير مصدر مطلع إلى أن سكان المنطقة يطلقون عليها اسم «الادارة الذاتية الديموقراطية» وليس «الكردية»، فحاكم مقاطعة الجزيرة ليس كرديا، وهو الشيخ حميدي دهام الهادي، شيخ عشيرة شمر. ويوضح المصدر أن «امكانية التكامل مع حكومة إقليم كردستان في شمال العراق أمر صعب، ففي الفترة السابقة حاول حزب العمال الكردستاني إنشاء إدارة ذاتية في جبل سنجار بعد سيطرته عليه، وانضمام الإيزيديين إليه، لكن رئيس الاقليم مسعود البرزاني رفض هذا المشروع».
ويلفت المصدر إلى أن «هناك خوفاً تركياً من إنشاء إدارة ذاتية في جنوب تركيا، وهو ما يسعى له حزب العمال، لتأسيسه في أماكن سيطرته»، ويشير إلى أن مشروع «الادارة الذاتية»، هو المشروع السياسي للقائد التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، وهو «يمثل وجهة نظره في مفهوم الامة الديموقراطية حيث تدير الشعوب نفسها بنفسها، وفي حال نجاح تجربة الادارات الذاتية ربما يجمعها في المستقبل مجلس تشريعي موحد، ويبقى لكل ادارة مجلسها التشريعي والتنفيذي والحكومة الخاصة بها التي تدير شؤونها».
وعن تجربة «الادارة الذاتية» يرى المصدر أن «مقاطعة الجزيرة تشكل أنجح هذه التجارب من مختلف النواحي الطبية والخدماتية والغذائية وتأمين المحروقات، ففي بلدية رأس العين بدأت عملية تعبيد الطرقات وتزفيتها، مع العلم أن رواتب الموظفين ترتفع بحسب الدخل حيث يصل راتب الموظف إلى 28 ألف ليرة سورية عدا التعويضات، اما موظف الاسايش فيصل راتبه إلى 34 ألف مع الضمان الصحي، مع بدل تدخين ولباس وطعام».
ويطرح المصدر فكرة إمكانية أن يكون شرق سوريا في المستقبل هو الحكومة المركزية لمختلف المقاطعات في العراق وتركيا وسوريا، ويوضح أن السبب الرئيسي لهذه الفكرة كون العلاقة مع حكومة البرزاني في العراق ليست جيدة خصوصا أنه متحالف مع تركيا. أما عن العلاقة مع الحكومة السورية فيعتبر أن «العقد الاجتماعي» يوضح بأن «الادارة الذاتية تتبع الحكومة المركزية في دمشق، وتجدر الاشارة إلى أن الدوائر الحكومية تعمل بشكل طبيعي في شرق سوريا».
العلاقة مع الولايات المتحدة، بحسب المصدر، هي علاقة «مصلحة بحتة» بهدف اساسي هو قتال تنظيم «داعش»، ويقول إنه «من الصعب القول إن طائرات التحالف دخلت الاجواء السورية من دون موافقة دمشق، وبالتالي اي تنسيق بين الوحدات والتحالف من المنطقي أنه يمر من طاولة القيادة السورية».
بدوره، يبدي الاتحاد الاوروبي اهتماما كبيرا بتجربة الادارة الذاتية، ويربط المصدر هذا الاهتمام بكون الجالية الكردية في اوروبا تشكل ضغطا كبيرا، بسبب عددها وتنظيمها ضمن الدول الاوروبية، ويعتبر أن «أحد نتائج هذا الضغط، هو سحب ألمانيا منظومة بطاريات باتريوت من جنوب تركيا ردا على قصف القوات التركية لمقاتلي حزب العمال الكردستاني».
وسام عبد الله
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد