الإعلام الخليجي... مصّاص دماء لا يرتوي!
إنه المشهد عينه، يتكرر، مع تطابق المواقف والأحداث. في أواخر آب (أغسطس) 2013، كان العالم يحبس أنفاسه على وقع قرع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما طبول الحرب في سوريا، على خلفية «كيميائي الغوطة»، وسط تهليل وترحيب خليجي عربي، بهذه الضربة العسكرية، والتسويق لها على المنابر الإعلامية. اليوم، يتكرر المشهد مع اصطفاف القوى عينها، ونشر سيناريوات مفترضة لعدوان أميركي محتمل على دمشق، على خلفية اتهام دمشق باستخدام السلاح الكيميائي في دوما.
مع بدء الإعلام الأميركي نشر خطط بلاده للرد في سوريا، وخريطة الأهداف المحتملة، ومواعيد وصول المدمرات الأميركية الى المتوسط، استبقت المنابر الخليجية السعودية تحديداً، أجواء التهويل وكوابيس الحرب، لتنشر خريطة بالأسلحة والمعدات التي تنوي الولايات المتحدة استخدامها. استعرضت «العربية» على موقعها الإلكتروني، صورة للمدمرة الأميركيةUSS DONALD COOK، التي يفترض ـــ كما أوردت ــ بالأميركيين استخدامها في عدوانهم على سوريا، كما فعلوا في مطار «الشعيرات» العام الماضي. وروّج الموقع السعودي أنّ المدمرة التي غادرت قبرص باتجاه سوريا، ستنضم اليها الفرقاطة USS PORTER، وأخرى فرنسية (Aquitaine) الى المتوسط. عدا الترويج لأدوات الحرب والخراب، بدا جلياً تعمّد تظهير المواقف الغربية الداعمة للعدوان من بريطانيا وفرنسا وأوستراليا وغيرها. مواقف وجدت مساحات واسعة في الإعلام الخليجي، بدءاً من بيان وزارة الخارجية البريطانية التي أكدت مع واشنطن أن «الهجوم يحمل بصمات هجمات كيميائية سابقة نفذها نظام بشار الأسد»، وصولاً الى صحيفة «الشرق الأوسط»، التي نشرت أمس «توقعات بضربة عسكرية أميركية ضد النظام السوري»، فنّدت فيه المواقف الرسمية الأميركية، وعزت استخدام النظام المزعوم للسلاح الكيميائي إلى تعويض «النقص الحاصل في مقاتلي القوات الموالية للنظام، ولمنع الداعمين للمعارضة من العودة مرة أخرى إلى المناطق الاستراتيجية».
الأذرع الإعلامية السعودية، التي أخذت على عاتقها، نشر بذور الخراب في سوريا قابلتها «الجزيرة» القطرية بنبرة أقل حدة في الموقف والسياسة التحريرية المتبعة. فمن مصطلح «الثورة السورية» إلى «الأزمة السورية»، تغيّرت معادلة القناة. ولا شك في أن هذا التغيّر بدأت أصداؤه منذ أيار (مايو) الماضي، تاريخ نشوب الأزمة الخليجية. هذه المرة، اعتمدت «الجزيرة» على طرح الأسئلة أكثر من النبرة الاتهامية، ولو أنّها تبنّت بالطبع رواية اتهام دمشق بما حدث في دوما أخيراً. أكان في البرامج الحوارية السياسية، أم في التقارير الإخبارية، حرص المنبر القطري على إيراد وجهات النظر المتصارعة في المنطقة، واستعداد هذه الأطراف لخوض غمار الحرب المحتملة، وتداعياتها الاقتصادية والحيوية، أكان في حركة الطيران أم في ارتفاع أسعار النفط الى أعلى مستوى منذ عام 2014، بعد الترويج للضربة المحتملة على سوريا.
وفيما يرقص «الخليج» على دماء السوريين، ويتوسل المزيد من حمامات الدم بطعم أميركي هذه المرة، كان الإعلام الروسي، وتحديداً «روسيا اليوم»، الجبهة الإعلامية المضادة. الثقل الروسي السياسي والعسكري في سوريا، والتصريحات الدبلوماسية المتلاحقة حول الوضع المتفجر دولياً، لقيا مساحتهما هناك، لما اعتبره هذا الإعلام «أزمة تصعيد»، تمارسها واشنطن، وسط صعوبة «تكهن» ما ستكون عليه ردة فعل الكرملين، بعد تلويح «رئاسة الأركان الروسية بالتصدي والرد الحاسم على أي تهديد يطال حياة العسكريين الروس في سوريا»، كما ورد في مضامين الإعلام الروسي الناطق بالعربية.
إلى جانب «نعيق» الخلجان، واستحضار المدمرات الحربية إلى مياه المتوسط، كان لافتاً كيفية تعاطي «دويتشه فيليه» الألمانية الناطقة بالعربية مع هذه الأزمة. تماشت مضامينها مع سياسة بلادها التي اصطفت الى جانب الدول الغربية، في اتهام النظام السوري. ففي كل روابط الأخبار المتحدثة عن سوريا، والمواقف الغربية تجاه الضربة المحتملة هناك، تكرّر شريط ما حدث في دوما المعنون «الكيماوي في سوريا، جريمة تتكرر دون عقاب»، إلى جانب ألبوم يظهر «الأطفال الذين تعرضوا للاعتداء الكيميائي» في سوريا. «العقاب» الذي تحدثت عنه القناة الألمانية، تكرر بشكل لافت محلياً، وحصراً مع قناة «المستقبل» اللبنانية، التي «تفرّدت»، بموقف داعم للضربة الأميركية المحتملة. فقد أوردت أول من أمس، في مقدمة نشرة أخبارها المسائية: «لم يعد السؤال: هل تمرّ مذبحة أطفال دوما التي ارتكبها نظام بشار الأسد دون عقاب ومحاسبة، بل أصبح السؤال عن نوعية العقاب وحجمه وبنك أهدافه»!
زينب حاوي - الأخبار
إضافة تعليق جديد