الاقتصاد العالمي: لا شيء سيتغيّر في العام الجديد سوى تصاعد التحديات
لم يكن العام 2012 على مستوى التوقعات الاقتصادية له. ومع العام 2013، يدخل الاقتصاد العالمي مرحلة جديدة زاخرة بالتحديات، وذلك في إطار البحث عن حوافز جديدة للنمو، كما عن ضمانات جدية للحفاظ عليه.
وفي حين وصل النمو في العام الحالي إلى نسبة 3.5 في المئة، بحسب صندوق النقد الدولي، فإن الآمال المعقودة على العام المقبل لا تتوقع إحراز تقدم ملحوظ في هذه النسبة، على الرغم من المؤشرات المطمئنة لا سيما لجهة انحسار خطر تفكك منطقة اليورو كما انتعاش الاقتصاد الأميركي وتقليص حجم الدين القومي.
أما ما يعزّز المخاوف من تراجع الاقتصاد العالمي فهو ما شهدته السنوات المنصرمة من استنفاد لجميع الوسائل التقليدية وغير التقليدية لتحفيز النمو، مقابل استمرار معدلات البطالة والركود بالارتفاع. وهنا يذكر على سبيل المثال ما قامت به مجموعة العشرين من مبادرات استثنائية، بدل من أن تحفز الاقتصاد ساهمت في زيادة العجز وارتفاع مستوى الدين فضلا عن خلق اضرابات في العديد من المناطق، بحسب مراقبين اقتصاديين.
أضف إلى ما سبق، ما تشكله الأوضاع المضطربة في الشرق الأوسط من قلق على الاقتصاد، لا سيما ما يتعلق بانعكاسها على أسعار البترول العالمية، والتي يمكن لانخفاضها أن يدعم النمو الاقتصادي العالمي.
ثم يأتي في مرحلة متقدمة، القلق من كفاءة وفاعلية المؤسسات القائمة على مراقبة وإدارة الإقتصاد العالمي والحاجة إلى تفعيلها، وذلك في ظلّ ما أظهرته من ممارسات خاطئة خلال الأعوام الماضية.
أما بشأن الحلول، فبحسب مجلة «الإيكونوميست»، لم يعد هناك من وسائل لتحفيز نمو الإقتصاد العالمي سوى العودة إلى مزيد من تحرير التجارة، لا سيما بعدما أثبتته الأبحاث عن اندماج أقل للاقتصاد العالمي مقارنة بمستوياته في العام 2007، لأن العديد من الدول قامت بإتباع إجراءات لحماية منتجاتها وأسواقها في أعقاب الأزمة العالمية. في المقابل، تعترف المجلة بصعوبة القيام بهذا التحرير على المستوى العالمي.
إلى ذلك، توقع بعض الخبراء الاقتصاديين أن يسجل الأداء الاقتصادي نموا قويا في منطقة شرق آسيا النامية تحديداً، بالرغم من التوقعات التي تشير إلى مزيد من التباطؤ في أداء الاقتصاد العالمي خلال العام 2013 نتيجة لانخفاض النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة وبخاصة منطقة اليورو.
أما بحسب خبراء «مجلس العلاقات الخارجية» فالاقتصاد العالمي يحمل خبرين جيدين وسط كل الأخبار السيئة في العام 2013: الاقتصاد الاميركي ينتعش وأوروبا لن تتفكك.
وبالنسبة لأميركا، فالاقتصاد سيظهر تكيفا هيكليا، ولو بشكل بطيء، مع نمط النمو المتبع، كما يظهر بعض النجاح في عملية تقليص الديون. أما الكونغرس فيتفق مع الرئيس الأميركي في موضوع تقليص الديون على مسار استقرار أكثر مصداقية من شأنه أن يجذب رجال الأعمال، ويقلل من مخاوفهم مما يزيد الاستثمار. ومع ذلك، فإن التكنولوجيا المدمرة وقوى السوق العالمية والفجوة التعليمية ونقص المهارات ينبئ بمشكلة بطالة طويلة الأمد. كما أن السياسات المالية الفاشلة، التي يشتري بها السياسيون الوقت، قد تدفع بالاقتصاد للانغماس في نموذج الاستدانة المعيب مجدّداً، وتسهم في تأخير التغييرات الهيكلية.
أما في أوروبا، التي شهدت في العام 2012 تدهوراً اقتصادياً منظماً، مبنيا على خطة إنقاذية لإيطاليا وإسبانيا ومحاولة إنقاذ القطاع المصرفي وأسواق الديون السيادية، فإن عدم الثقة الذي يحيط بالانتخابات المقبلة يمهد لانتكاسة ممكنة، فيما المرجح حدوث تراجع في النمو وارتفاع في معدلات البطالة، ولكن ليس تفككا فوضويا في منطقة اليورو.
والتحدي الأوروبي للعام 2013 يتمثل في الحفاظ على إصلاح اقتصادي مستدام، وضمان الثقة بالسوق، وإحراز تقدم في مجال الوحدة المصرفية والضريبية. وهذا يتطلب الحفاظ على النمو بشكل أساسي. وعلى هذا الصعيد، هناك العديد من الأسباب للتشاؤم. صندوق النقد الدولي يتوقع نمواً لا يصل إلى 0.2 في المئة لاوروبا في العام المقبل، في وقت هناك من يتنبأ بمعدلات نمو أسوأ بكثير. ضعف الظروف العالمية ينذر بتراجع في معدل الصادرات عن العام 2012 كذلك.
وعلى العموم، الاقتصاد العالمي ككل ليس في مأمن من المخاطر بشكل عام، لا سيما وأن انعدام المساواة وتراجع المداخيل يستمران في عرقلة الانتعاش الاقتصادي.
أما العودة إلى النمو فتتطلب إعادة الثقة باستدامة النمو، وبالقدرة على تحقيق الأهداف، والحفاظ على مستويات الديون. ومن دون ذلك فمن المرجح رؤية أوروبا مرة ثانية على شفا الانهيار.
ولكن، بحسب خبراء المجلس، العام 2013 هو عام الاقتصادات الصاعدة التي تتجه نحو الأفضل. هؤلاء يرون أن الصين تخطت مرحلة الخطر مع عملية الانتقال السياسي الناجحة التي خاضتها، والعلامات المبكرة للالتزام بالحدّ من الفساد، والتعامل مع القضايا الاجتماعية والتنموية المهمة.
في المقابل، سيشهد العام المقبل نقطة تحول مع وصول الصين إلى نسبة 8 في المئة من النمو، في مشهد يدعو إلى التفاؤل.غير أنه سيشهد أيضاً توترا بين الولايات المتحدة والصين بعد تبادل الاتهامات بشأن قيمة الرممبي وتشكيل الحواجز في وجه الاستثمارات الأجنبية. في العام الماضي تركز الانتباه على النمو البطيء للاقتصاد الصيني في رؤية غير واقعية أملت أن يساعد ذلك في حل مشاكل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ولكن النمو البطيء للصين يكون مفيدا فقط إن أظهر أنه يسلك مسارا مستداما، وكاقتصاد ناضج فإن نوعية النمو تصبح مطلوبة أكثر من الكمية.
حرب العملات بين البلدين ستتراجع ولكن لصالح ظروف ستدفعهما للصراع على الاستثمارات الخارجية وسياسات نقل التكنولوجيا. وهذا يبدو واضحا في التحذيرات الأخيرة حول المخاطر الأمنية للشركات الصينية التي تسعى لاختراق السوقين الأميركي والبريطاني لتبادل التكنولوجيا القيّمة بسعر الأسواق الصينية.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد