الاقتصاد العالمي.. مشكلة دولار أم أزمة قرار؟
في عطلة نهاية الأسبوع، سأسافر وعائلتي إلى إيطاليا لتمضية إجازة منتصف العام الدراسي، فأسرة زوجتي تمتلك منزلاً في روما على مقربة من معبد الباناثيون التاريخي، الذي يعود للعام 125 ميلادي، والذي يعتبر أحد أبرز وأجمل المعالم الأثرية في العالم.
وعندما تدخل المعبد لزيارته، فإنك تلاحظ على الفور مظاهر القوة والفخامة التي تبدو عليه، فالأعمدة الصخرية التي يقوم عليها هذا الصرح المهيب تمنح الناظر إليها شعوراً بالامتداد التاريخي والصلابة والثبات، وهي كلها أمور لا يمكن لنا أن نشعر بها إذا ما تطلعنا إلى وضع الاقتصاد الأمريكي اليوم.
فمن الصعب على المرء أن يقوم بمطالعة أي صحيفة أو موقع إلكتروني أو متابعة محطات التلفزة دون أن يجد عناويناً على صل بالأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، والركود الطويل الذي ينتظر الاقتصاد الأمريكي، غير أن العبارات التي تستخدم في التحليل تصبح ضبابية وعامة عند يتعلق الأمر بآثار الأزمة حول العالم.
ولا بد لنا، قبل التعقيب على هذا الأمر، أن ندرس المسألة الأولى، أي الركود المتوقع في الاقتصاد الأمريكي، بدقة، إذ أن التقديرات لا تشير إلى أن جميع القطاعات الاقتصادية ستشهد تراجعاً في الطلب، بل أن الأمر سيقتصر على قطاعين أساسيين هما العقارات والمصارف.
أي بكلام آخر عمودين اثنين من أعمدة الباناثيون الستة عشر.
والبيت الأبيض وقّع حزمة مساعدات مالية بقيمة 170 مليار دولار قبل أيام، بهدف إرسال رسالة واضحة إلى بورصات "وول ستريت" من جهة والمواطنين القلقين من جهة أخرى مفادها أن واشنطن سترد على التحدي.
وكما قال الرئيس جورج بوش فإن الولايات المتحدة "قادرة على امتصاص صدمة مماثلة والخروج منها أقوى مما كانت عليه،" وأنا اعتقد أن هذا الرأي في محله، فقد كنت شاهداً على الركود الذي حدث خلال عام 1990 و1991، ويمكنني أن أقول أن التاريخ الذي لا يتجاوز 200 سنة لدولة مثل الولايات المتحدة يزيح عن كاهل رجالها عبئ التاريخ ويسهل عليهم السير قدماً دائماً.
وبالعودة إلى النقطة الثانية، المتعلقة بتأثير الأزمة الأمريكية على العالم، فالنقاش ما يزال يتواصل فصولاً حول قدرة الدول ذات الاقتصاد الناشئ على فك ارتباطها الاقتصادي بالولايات المتحدة ومتابعة النمو بصورة مستقلة، رغم الوضع الأمريكي.
وقد انتقد المدير العام لصندوق النقد الدولي، دومينيك ستراوس- كان، مؤخراً هذا التحليل، ووصفه، خلال زيارة قام بها إلى الهند، بأنه "فكرة مضللة جداً."
ولكن صندوق النقد نفسه خفض توقعات النمو العالمي من 4.4 في المائة إلى 4.1 في المائة، ورغم أن هذه التراجع شديد التأثير، إلا أنه ليس كارثياً، فالصين مثلاًً التي تعتمد اقتصاديا على التصدير، ستشهد تراجعاً، لكن نموها سيسجل 9.6 في المائة.
وحتى في لندن، فإن البنك المركزي يوازن حالياً بين خفض معدلات الفائدة واحتمال ارتفاع التضخم، ويشتكي البعض في بريطانيا من تضخم إيجارات المنازل بمعدل أربعة في المائة هذا العام، ولكنها شكوى لا تقارن بما يشعر به سكان المدن الأمريكية، حيث تراجعت قيم العقارات ما بين 10 إلى 20 في المائة.
وهنا يأتي دور الشرق الأوسط، فالعدو الأول للاقتصاد في المنطقة حالياً هو التضخم، وتأثيره قد امتد للرواتب والمنازل وأسعار الملابس والطعام، وقد يدفع هذا الأمر (على الأرجح) دول المنطقة التي ما تزال تربط عملاتها بالدولار لإنهاء هذا الوضع قريباً.
ولكن ذلك الجزء من العالم لا يبدو وكأنه يخشى ركوداً في الاقتصاد الدولي، فلو أن تلك المخاطر كانت واقعية، لشاهدنا أسعار النفط تتراجع بعشرين دولاراً وليس بدولارين كما حدث هذا الشهر، وبهذه الأسعار، فإن المنطقة قد تشهد نمواً بمعدل ستة في المائة هذا العام.
وما أظنه هو أننا لا نواجه مشكلة نمو، بل مشكلة قيادة، فخلال منتدى الاقتصاد العالمي الأخير في دافوس، ترأست جلسة حول الاقتصاد العالمي ضمت عدداً من الخبراء ومدراء الشركات الكبرى ووزراء من دول نامية.
وبعد الجلسة، أجريناً مسحاً بين الحضور لمعرفة أسباب القلق الرئيسية في العالم، فأشار معظم من شملهم الاستطلاع إلى أنهم يعتبرون ضعف الرد الرسمي من قبل قادة العالم على الأزمة الاقتصادية الحالية أكبر المخاطر العالمية، في حين رأى قسم آخر أن الخطر يتمثل في سوء التعاطي معها.
وأنا أرى أن النتائج تقرع ناقوس الخطر، ففي هذا العالم الصغير، حيث تزداد حاجة البشر على بعضهم البعض، نرى أن العديد من رجال الأعمال يشككون في قدرات من هم عند الخطوط الأمامية من حكومات ومصارف مركزية.
وبصراحة، فإن العالم بات معقداً أكثر من أي وقت مضى، وهذا يعني أن على رجال الأعمال ومحافظي المصارف المركزية في الشرق الأوسط توحيد الجهود لمواجهة التحديات المقبلة دون النظر إلى الخلف، فالاعتماد على الدولار وعوائد العقارات المرتفعة تمثل منطلقاً جيداً والمبادرات بدأت تزداد ويتم العمل على إعداد المزيد منها.
وعلى غرار معبد الباناثيون المهيب، فإن هناك أعمدة عديدة للاقتصاد العالمي، وإذا ما تعرض اثنين منها للضرر فإن ذلك سيشكل بالتأكيد سبباً للقلق، لكنه ليس سبباً كافياً لإطلاق صفارات الإنذار.
جون دفتريوس
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد