التسويق في القطاع العام

18-04-2007

التسويق في القطاع العام

من الواضح للعيان بأن هذه المواضيع الأساسية للإصلاح يحتاج كل منها إلى ندوة عمل متخصصه، تبتعد عن الخوض في العموميات والتي أصبحت استعراضاً لنظريات وأفكار عامة بعيدة عن الأرقام والإحصائيات الواقعية.
فلا تزال الحكومات تتابع إدارة الأزمات في الإصلاح، لقطاع معين أو إلى ما هنالك من مرافق الحياة اليومية للمواطن وهمومه بطرق أغلبها تقليدية ولعلها انتهت في العالم المتمدن.

من يضع استراتيجية سورية الصناعية والزراعية والصحية والمائية، هل كان يعمل وفق الاستراتيجية التي يراها أو التوجيه الذي يتلقاه.
ففي غياب استراتيجية واضحة لا يوجد إصلاح، وبالتالي إلى أين يتجه الإصلاح في ظل غياب الاستراتيجية؟!
ما هي الصناعات التي يجب أن تدعمها الحكومة، أين المناطق التي يجب أن تنشأ بها هذه الصناعات، ما هي الصناعات العربية المنافسة في ظل العودة إلى التكامل العربي، ما هو حجم السوق المحلي والعربي والعالمي في ظل المنافسة السريعة في الأسواق، ما هي القيمة المضافة لهذه الصناعة أو تلك التي ستعود إلى سورية وأهله بالخير؟.
وهل يجب أن يكون إصلاح الصناعات وفق المحاور الأربعة السابقة، وتتكبد سورية تكنولوجيا عالية التقنية وتكاليف إدارة وتكاليف لجان، وبعدها لا نجد أسواقاً للتصريف، هل قدر الاقتصاد والإصلاح السوري الدوران في مكانه، لعله من الأجدر تحويل هذه التكاليف إلى أمور أفضل، اذا لم يتم تفعيل دراسات الجدوى لهذه الصناعات،الميزانيات التقديرية، وتحديد أهدافها والقوانين الواضحة والصريحة التي تحدد نمو الصناعة، وإجراءات التطوير المستقبلية المتاحة لهذه الصناعة إلخ.. هذه وغيرها من الأسئلة المفصلية التي تبدو بلا أجوبة علمية أو واقعية واضحة حتى الآن.
إن تسنى ونجح ذلك الإصلاح إلى أين سيذهب وكيف وما هي أسواقه وأين مقارنته مع السلع المشابهة له.....؟ ومن هنا نجد أهمية التسويق في المشاركة وهو أساس كل مشروع، ويبدأ قبل حفر أول وتد في مصنع ولا يجب علينا أن نصلح إدارة التسويق حيث أنه غائب ومازال في القطاع الصناعي العام، اللهم إلا من بعض الجهود الفردية تبرز لنا بين الحين والآخر (بعض الإعلانات لشركة الصناعات الغذائية........) هو يدرج ضمن أنشطة التسويق.
نبدأ العمل التسويقي بدراسة السوق واحتياجاته سواء المحلي أم الخارجي، السلع المنافسة وحصة السوق من كل منها، التصميم للعبوة والمواصفات الفنية، تأهيل وتدريب رجال المبيعات ـ بضم أدوات البيع (البروشور، الحملة الإعلانية من فيلم وإذاعة......الخ)
التوقيت المناسب للحملة مع الجمهور المستهدف بشكل تحليلي واضح، إلى ما هنالك من عناصر متنوعة لتصل بالمنتج إلى أخذ حصة معينة في السوق، مع وضع معايير تطوير تتناسب مع اتجاهات السوق المختلفة والسلع المنافسة له.
إن النسب المالية المضافة إلى قيمة المنتج لتغطية نفقات التسويق الضئيلة نسبياً، والتطوير في المنتج مقارنة بجلبنا تكنولوجيا عالية الكفاءة، وتشغيل أكبر عدد من الأيدي العاملة لضمان دوران السلع والتشغيل الفعال وهو جوهر الإصلاح.
لماذا لا يتم استخدام التسويق الحديث بمفاهيمه مع سلسة الإجراءات الإصلاحية لتكتمل الحلقة. مثال: انطلاقة إذاعة صوت الشباب التي أعطيت القليل من الحرية لتخرج عن نطاق الإذاعة الرسمية، نجد بأن أكثر المستمعين في سورية لإذاعة صوت الشباب ولا نجد لها حصة من الإعلان الوطني والأجنبي كبيرة، علماً أنه لا يوجد لها جهاز بيعي أو تسويقي خاص بها، وتتطلب الأسواق الحديثة قدرة كبيرة في المنافسة بالاعتماد على الجودة والأسعار، إضافة لمستلزمات أخرى مثل أساليب البيع والمكان والمظاهر الخارجية لأدوات البيع، كما أن البعض اليوم يهتم بعامل الزمن ومواعيد المناسبات ويتهيأ، لها ولذلك فإن التأكيد على المواصفات يساهم بتصريف هائل في السوق المحلي، ولكن أن نقول إن النسيج العالي الجودة يذهب للخارج والنسيج الرديء لنا، فأين المواطنة؟
أدعو أي شخص يذهب إلى الخارج ويأخذ معه عينة من أي منتج أجنبي يتوفر في الأسواق العربية ويقارنه بنفس المنتج في بلده الأم ليلاحظ الفرق، إنهم يصدرون لنا الدرجة الثالثة بل الرابعة ويقدمون لمواطنيهم أعلى المواصفات، هذه المواطنة الحقيقية هذا الولاء للوطن والمواطن.... والمنتج الوطني.
تجربة الهند والباكستان في التسويق لمنتجاتهم في الخارج بعيداً عن محاولات البعض في إفساد التسويق الخارجي للمنتج الوطني، ربما تعتبر من التجارب الجديرة بالدراسة والتحليل والتوقف عندها.
أنشأت هذه البلدان هيئة لفحص المنتجات المحلية المصدرة لمطابقتها للمواصفات الخاصة بالبلد التي ستصدر إليه........ نزور المعارض المحلية لنجد أجنحة القطاع العام الصناعي لا يوجد فيها إلا بعض الصور الرسمية والبروشورات البالّية، وإذا كانت في حالة جيدة لعل المرء يجد من يجاوب على أسئلته. هذا هو جزء من التسوق المفقود.
تحاورت مع صاحب مصنع ينتج أغذية للأطفال، وبكل موضوعية وضمن المعايير الاقتصادية والمقارنات التكنولوجية، أوضح لي إمكانية منافسة منتجه للمنتجات الأجنبية التي تهرب إلى البلد من ناحية السعر والجودة ولكن....... ولكن........ والسياسة الضريبية تدفعه إلى تخفيض الجودة لسد النفقات المضافة التي لابد لها واختصار نفقات التسويق الداخلي والخارجي من الإصلاح.، فنحن بيدنا نفتح للمنتجات الأجنبية بلدنا ونكبد المواطن تكاليفها العالية......هذا جزء هام وأساسي.

يبدأ الحديث بين أصحاب رؤوس الأموال المختلفة الحجم عن صناعة معينة وخدمة تزدهر في بلدنا، فما يكون منهم إلا أن يقوموا بإنشاء هذه الصناعات أو الخدمات لأن فلان الفلاني عم يأكل شهد من هذه الصناعة فقط لاغير.
فيدفعون بأموالهم إلى إنشاء هذه الصناعات والخدمات والأمثلة كثيرة المطاعم، محلات الشاورما، محلات الموبايل، الصحف والمجلات، صناعات المواد الغذائية، وغداً الجامعات وبعد غد المشاريع السكنية، ويتكلفون مئات وملايين الليرات وتتعثر المشاريع وتبدأ الخسارة... ويعرضون حالاتهم على الاختصاصيين الاقتصاديين، ولكن هل يقومون بإعداد الدراسات الاقتصادية اللازمة ودراسات الجدوى، الجميع يعرف أن المحسوبيات والنفوذ هي التي تقرر في كثير من هذه المسائل.
إن الدراسات التسويقية بنفس الأهمية بل يمكن إن نقدمها على أي دراسة أخرى، إضافة لدراسات النظم الإدارية والمالية والتدريب والتطوير، لأن هذه العلوم هي الركائز النظرية الأساسية للانطلاق من أجل التحديث والتطوير.


 د. منقذ الملوحي

بالتعاون مع مجلة المال

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...