التلوث يسبب التهاب الكبد الفيروسي ويهدد مناطق في حلب
حالة من الخوف تخيم على أهالي مدينة اعزاز جراء شائعات حول انتشار مرض التهاب الكبد الفيروسي /C -B/ خاصة أن بعض المصادر تشير إلى وجود كم هائل من الإصابات ومصادر أخرى تؤكد أن عدد حالات الإصابة لايتجاوز عدد أصابع الكفين..
وأمام تلك المفارقات، ولمعرفة صحة تلك الشائعات من عدمها، وأسباب الإصابة، وعدد المصابين، إن كانت الشائعات صحيحة، وغيرها من الأمور، كان لابد لنا من تسليط الضوء، ووضع الإخوة المواطنين في صورة الواقع بعيدا عن الإنكار أو التهويل، لأخذ الحيطة والحذر وللحد من تفاقم المشكلة إن كانت موجودة..
الدكتور أمين نصور رئيس قسم الهضمية وأمراض الكبد في مشفى زاهي أزرق بحلب يؤكد أن أمراض الكبد الموجودة في بلادنا تنقسم إلى ثلاثة أنواع، هي التهاب الكبد/A/ وهو يصيب كافة الأعمار وخاصة الأطفال،
وينتقل عن طريق تلوث الطعام والشراب، بينما النوعان الآخران هما التهاب الكبد /C -B/، وأعراضهما تكون في أول الإصابة عبارة عن ظهور اليرقان والوهن العام والترفع الحروري..
وتوجد عدة أسباب لهذين النوعين حيث تنتقل العدوى فيهما عن طريق التلامس مع دم ملوث أو عن طريق الاتصال الجنسي ومن خلال الأدوات المستعملة في /العمليات الجراحية- الولادات المنزلية- أطباء الأسنان- أدوات الحلاقة- عمليات الوشم- عمال الأسنان الجوالون- ثقب الأذن- الختان- الحجامة.. الخ/ حيث غالبا ما تكون تلك الأدوات غير معقمة وفق الشروط الصحية والمعتمدة من الهيئات المختصة، وكذلك توجد نسبة 10٪ مجهولة السبب لا نعرف كيف تنتقل..
يضيف الدكتور نصور: إن نسبة الشفاء من التهاب الكبد /C -B/ ليست مضمونة 100٪ ولكنها تتراوح بين 40-50٪ وهي تختلف من مريض لآخر، حسب درجة الإصابة واكتشاف المرض، علما أن المرض في بدايته يكون خطرا على حياة المريض، لأنه من الممكن في أي لحظة أن تحصل إصابة كبدية حادة، ولكن في الحالات المزمنة كما هو النمط/C/ فالخطر هو لمدة طويلة، ويمكن بعد سنوات أن يحصل تشمع كبد أو إصابة ورمية..
الدكتور عبد الكريم الحسين مدير مشفى زاهي أزرق التابع لمديرية صحة حلب أشار إلى أن المشفى يقوم بإجراء التحاليل الأولية مجانا، وكذلك فإن المرضى يحصلون على الدواء مجانا أيضا ، ولكن هناك تحاليل يجريها المريض في المخابر الخاصة لعدم توفرها في المشفى وهي تحاليل/ECR/.
تبقى النظافة هي الأساس في الوقاية من انتشار المرض بكافة أنماطه/C-B-A/ وكما يشير الدكتور الحسين فإن النمط/B/ للتأكد منه يجب إجراء فحص للعامل الاسترالي، وفي حال سلبيته يعطى المريض لقاح الكبد في المشفى، أما بالنسبة للنمط/C/ فليس له لقاح إنما توجد بعض الإجراءات الوقائية مثل: الاهتمام بالنظافة الشخصية، واستخدام أدوات شخصية خاصة بكل فرد مثل/ موس الحلاقة- فرشاة الأسنان- عدم استخدام الوشم- التعقيم الجيد في كل الأماكن الطبية والتمريضية/.
بعد تعرفنا إلى حالات التهاب الكبد كان لابد لنا من أن نستطلع الواقع في مدينة اعزاز، حيث ولدى وصولنا إلى الحي الشرقي الجنوبي، وإلى حي العصيانة، أكد لنا العديد من الأهالي أن هنالك نسبة كبيرة من ذويهم وأقاربهم أصيبوا بالتهاب الكبد الفيروسي، وقد توفي البعض منهم، ومعظم المصابين يراجعون العيادات الخاصة في مدينة حلب ليحالوا إلى مشفى زاهي أزرق بحلب أو إلى مشفى دمشق لتلقي العلاج، وذلك دون الرجوع إلى المركز الصحي في مدينة اعزاز.. لأسباب لم يذكروها.. لماذا.. لاندري..؟ ولكن أكدوا أن التلوث البيئي ساهم بشكل أولي في انتشار الأمراض وانتقال العدوى، حتى إن معظمهم لم يعد يذهب إلى عيادات أطباء الأسنان ولا إلى صالونات الحلاقة في اعزاز، بل أصبح يقصد مدينة حلب، فربما تكون هي الأسلم..
سوء الواقع الخدمي في مدينة اعزاز ربما يكون سببا في انتشار التهاب الكبد/A/ وبعض الأمراض البيئية- كما يؤكد ذلك الدكتور أحمد زاهر حاج إبراهيم رئيس دائرة الأمراض البيئية والمزمنة في مديرية صحة حلب، والذي رافقنا في جولة ميدانية ضمن المدينة حيث كانت مصبات الصرف الصحي المسلطة من المنازل بشكل مكشوف ترمي بمخلفاتها في بداية مجرى السيل (النهر) وذلك في حي العصيانة على طريق السلامة، هذا الحي الذي تحول إلى بؤرة من الأوبئة والأمراض- كما يؤكد أهالي الحي الذين وجدوا في الصحافة سبيلا للتعبير عن آرائهم وهمومهم ومشكلاتهم التي ظلوا يعانون منها سنين طويلة والتي سنسلط عليها الضوء في تحقيقات قادمة.
مشينا على حافة مجرى السيل ونحن نتوجه إلى طريق كفركلبين لنتفاجأ هناك بمشهد ربما يكون أكثر خطورة، حيث يقوم بعض أهالي المدينة بتجميع مياه الصرف الصحي عبر مستنقعات ليقوموا بعدها بسقاية مزروعاتهم من تلك المياه الآسنة، والتي إضافة إلى تلويثها للمزروعات تقوم بتلويث مياه الآبار، حيث الطامة الكبرى وجود بئر للمياه الجوفية بجانب تلك المستنقعات، وبطبيعة الحال الكل يعلم أن مياه الصرف الصحي تتسرب عبر التربة إلى جوف البئر، هذا البئر الذي يقوم أصحابه بتعبئة الخزانات والصهاريج، ليقوموا ببيعه إلى أهالي المدينة، الذين لا تصلهم مياه الشرب في الأسبوع إلا لمدة يوم واحد وبمعدل أربع ساعات فقط.. فليس أمامهم إلا مياه الصهاريج التي لا يعلم مصدرها إلا الله وأصحاب الآبار.. والـ..؟؟
صالونات الحلاقة غير مرخصة أكد الأهالي أن صالونات الحلاقة في المدينة والتي يتجاوز عددها 22 صالونا حتى الآن لم يلتزم أحد منها بوضع جهاز تعقيم، أو حتى الالتزام بالشروط الصحية من تعقيم للأدوات أو استخدام موس حلاقة لمرة واحدة.. حتى إن أحد الذين التقيناهم أشار إلى أنه اضطر لشراء أمواس حلاقة بلاستيكية تستعمل لمرة واحدة، والبعض الآخر قال إنه يذهب إلى مدينة حلب كل أسبوع لحلاقة شعره، واللافت للنظر- وكما أفاد السيد عمر اليوسف رئيس الجمعية الحرفية للحلاقين في محافظة حلب- أن جميع الصالونات في مدينة اعزاز غير حاصلة على ترخيص من الجمعية، مشيرا إلى أنه من شروط الترخيص يجب أن يكون صاحب الرخصة حاصلا على ترخيص صحي من البلدية..
ربما أصابع الاتهام يتم توجيهها إلى عيادات أطباء الأسنان، والتي وكما رأينا في البداية أن من أسباب انتقال المرض استخدام أدوات غير معقمة في عيادات أطباء الأسنان، ومن خلال جولتنا وجدنا أن معظم العيادات قد التزمت بوضع أجهزة تعقيم، ولكن لابد لنا من معرفة الحقائق أكثر حيث يشير الدكتور فهد كعكة رئيس فرع نقابة أطباء الأسنان بحلب أن هناك لجنة مشتركة بين نقابة أطباء الأسنان ومديرية الصحة قامت بزيارة مدينة اعزاز للكشف عن العيادات السنية الخاصة فيها للتأكد من شروط مزاولة المهنة فيها وخاصة التعقيم، حيث يوجد في المدينة 10 عيادات لطب الأسنان وجميعها تحتوي أجهزة تعقيم مع العلم أن هناك لجانا للتأكد من وجود معقمة في العيادة السنية قبل افتتاح وأثناء مزاولة المهنة.
وحول آلية التعقيم أضاف الدكتور كعكة يتم التعقيم مع نهاية الدوام حيث يتم غسل الأدوات السنية التي تم استخدامها ليتم تعقيمها، وإن التعقيم لا يتطلب شراء مواد كلفتها عالية تستهلك يوميا، فالمطلوب وجود جهاز تعقيم مع طقم أدوات يكفي لـ 30 مريضا على سبيل المثال، يوميا وإن لكل مريض أدوات فحص خاصة به لا يمكن أن تستخدم لغيره مهما كان عدد المراجعين للعيادة.
وبعد اطلاعنا على الواقع الخدمي والصحي في اعزاز لابد لنا من أن نطرح السؤال التالي مجددا: هل توجد إصابات حقيقية في اعزاز أم أنها مجرد شائعات..؟؟
الدكتور حمد طاهر رئيس المنطقة الصحية في اعزاز أشار إلى أنه وحسب الإحصائيات الموجودة لديه ولمدة شهر واحد لاتوجد أي إصابة بالتهاب الكبد/C/ إنما توجد فقط 13 إصابة بفيروس الكبد/A/، وكل ما يقال هو عبارة عن شائعات لاصحة لها، بينما يؤكد رئيس قسم الهضمية وأمراض الكبد في مشفى زاهي أزرق أنه في العام الماضي كانت نسبة المصابين بالتهاب الكبد/C/ الذين تلقوا العلاج في المشفى 25٪ منهم من اعزاز، أي أن عدد المصابين من اعزاز وصل إلى 100 مريض، إضافة إلى أن هنالك نسبا غير معروفة تتلقى العلاج في مشافي دمشق مباشرة بإحالات من عيادات خاصة، مشيرا إلى أن إصابات أهالي اعزاز معظمها من النمط/C/ بينما أهالي مدينة حلب معظم إصاباتهم من النمط/B/..
وما بين ذلك الرأيين يحتار المواطن على أي رأي يعتمد.. ولكن من خلال جولتين إحداهما في مدينة اعزاز والأخرى في أروقة مشفى زاهي أزرق تبين لنا أن الإصابات حقيقية وليست شائعة.. فلم التستر من قبل البعض..
دائرة الأمراض البيئية والمزمنة في مديرية صحة حلب رفعت كتابا إلى السيد محافظ حلب وعن طريق مديرية الصحة أوضحت وعن طريقه أنها قامت بجولة في مدينة اعزاز بناء على كتاب من السيد وزير الصحة رقم 2604/14/ تاريخ 8/2/2009 حيث أشارت في مضمون الكتاب أنه ومن خلال الجولة الميدانية لوحظ وجود مجرى صرف صحي مكشوف في بعض أحياء المدينة، ويمتد لمسافات طويلة ويمر مجاورا لمنازل السكنية في حي العصيانة شمال المدينة، وأفاد رئيس المنطقة الصحية أنه طرح هذه المشكلة بشكل متكرر في اجتماع المجلس الصحي الفرعي في مدينة اعزاز.. كذلك تمت الإشارة في الكتاب إلى أنه يتم تنفيذ جولات ميدانية على البساتين المنتشرة على مسار مجرى الصرف الصحي وذلك بهدف مراقبة المزروعات التي تؤكل نيئة والمروية بمياه الصرف الصحي وإزالة المخالفات الموجودة وإتلافها بالتعاون مع مجلس مدينة اعزاز..
من خلال هذا الكتاب نجد أن دور الجهات الصحية رقابي فقط، إنما هنالك دور مهم لمجلس المدينة، فماذا عنه..؟؟
أمام ذلك الواقع نجد أن مجلس المدينة تقع عليه مهام جسام في الحد من تفاقم المرض بكافة أنواعه/C-B-A/وذلك بدءا من مجرور الصرف الصحي وتلوث مياه الآبار وكذلك بالنسبة لصالونات الحلاقة، وغيرها من الأمور ذات الصلة، ولهذا فقد توجهنا إلى مجلس مدينة اعزاز ببعض الأسئلة حول هذا الموضوع حيث أجاب المهندس أحمد الجاسم رئيس مجلس المدينة عن هذه الأسئلة من خلال الكتاب رقم 127 /ص/ تاريخ 1/3/2009 والذي جاء فيه:
إن مجرى السيل هو مجرى طبيعي يخترق المدينة من بدايتها لنهايتها وقد تم سقفه ضمن المخطط التنظيمي ومنذ ما يزيد عن أكثر من خمسة عشر عاما وقد قمنا بإكمال سقفه حتى نهاية المخطط التنظيمي لهذا العام، وفيما يخص الحي شمال المدينة، فإن الدراسة تجري الآن لإيجاد حلول فنية لمعالجة مشكلة فرق المنسوب بين منسوب الحي والخط الرئيسي القديم ليتم الربط بشكل صحيح وتخديم الحي..
أما فيما يخص الأراضي في طريق كفر كلبين، فهذه المنطقة هي منطقة نهاية الخط الرئيسي للصرف الصحي وقد قام بعض المزارعين بالاعتداء عليه لري مزروعاتهم من المياه الآسنة، ويقوم مجلس المدينة بتجريف المزروعات بشكل دائم وإنذار جميع المزارعين عن طريق شرطة المجلس بعدم زراعة أي محصول بجوار مجرى السيل بشكل مسبق..
وبالنسبة لصالونات الحلاقة فقد تم تشكيل لجان لجرد الواقع المهني والصحي في المدينة وسنقوم- والكلام مازال لرئيس مجلس مدينة اعزاز- باتخاذ الإجراءات اللازمة فورا بشأن جميع المخالفات..
من خلال تفاذف الكرة بين الجهات المعنية نجد أن المرض يزداد انتشارا لأن معظم الحلول ورقية، فالصرف الصحي في الحي الشمالي مازال مكشوفا ومنطقة العصيانة أصبحت مرتعا خصبا لانتشار الأوبئة، وكذلك وجود مستنقعات الصرف الصحي التي تروي بمياهها المزروعات، وتتسرب إلى المياه الجوفية، وهو ما رصدناه من خلال الصورة، إضافة إلى وجود صالونات حلاقة غير مرخصة حسب ما أشار إليه رئيس جمعية الحلاقين بحلب، غير ملتزمة بأجهزة التعقيم، وكذلك فالمنطقة الصحية التي لا توجد لديها إحصائية حقيقية عن عدد الإصابات ، إضافة لانعدام ثقة المواطنين بالخدمات المقدمة من المركز الصحي، وتنصل الكل من المسؤوليات هو الذي جعل المواطن ضحية، ولم يجد أمامه إلا مشفى زاهي أزرق بحلب ومشافي دمشق.
بعد هذه الإطلالة السريعة على واقع مدينة اعزاز وعلاقتها بالتهاب الكبد نجد أننا أمام حقيقة لا يمكن إخفاؤها، والمطلوب أن تقوم الجهات الصحية بإجراء مسح شامل لأهالي مدينة اعزاز وإجراء التحاليل المجانية لهم جميعا وكذلك تقديم العلاجات اللازمة من خلال تفعيل المركز الصحي ومشفى اعزاز الوطني بدلا من تكبيدهم السفر إلى حلب أو إلى دمشق لتلقي العلاج، إضافة إلى ضرورة العمل على تزويد مشفى زاهي أزرق بجهاز تحليل/BCR/.
وكذلك أن يقوم مجلس المدينة بمعالجة مشكلة الصرف الصحي في حي العصيانة، وعلى سرير النهر، ومنع سقاية المزروعات من مياه الصرف الصحي وعدم السماح بحفر الآبار بجانب تجمع مياه الصرف الصحي أيضا.
وتبقى مسألة صالونات الحلاقة غير المرخصة مشكلة قائمة بحد ذاتها تتطلب حلا سريعا بمشاركة كافة الجهات المعنية، آملين من كافة أهالي مدينة اعزاز وريفها تزويدنا بكافة المستجدات حول انتشار هذا المرض لنتمكن من معرفة الحقائق أكثر..
فؤاد العجيلي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد