الحجاب في تركيا: سجالات وانقسامات
ستكون تركيا في الأسبوع المقبل على موعد مع حدث تاريخي، وهو تصويت البرلمان على تعديل دستوري يقضي بالسماح للمحجبات بدخول الجامعات.
وما كان لهذا التعديل أن يمر لولا المساهمة الحاسمة لحزب «الحركة القومية» في التعديل، بتأمينه نصاب الثلثين، إضافة إلى نواب حزب «العدالة والتنمية».
وكما هو متوقع، انفتح السجال واسعا بين العلمانيين المتشددين وبقية أجزاء المجتمع التركي، حتى بدا كما لو أن التعديل أصبح قدرا، فتحول النقاش إلى ما بعده، ورفع دعوى أمام المحكمة الدستورية، لإبطاله.
ولعل ما قد يريح موقف حزبي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» هو ما أعلنه رئيس أركان الجيش ياشار بويوك انيت بأن موقف المؤسسة العسكرية معروف ولا حاجة لإعلانه.
ومع أن البعض داخل تركيا فسّر تعليق رئيس الأركان على انه معارضة لارتداء الحجاب في الجامعات، إلا انه لم يشبع رغبة العلمانيين المتشددين في موقف أكثر وضوحا. فرئيس الأركان لم يقل انه لا يوافق على السماح بارتداء الحجاب، وإن فُسِّر كلامه على انه «لا غض للنظر» عن التعديل.
فلو أعلن الجيش معارضته لارتداء الحجاب، وأصرّ حزبا «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» على تعديل الدستور، فما الذي سيحصل؟
ويبدو أن الجيش لا يريد أن يكرر «خطأ» 27 نيسان ,2007 عندما اعلن معارضته لوصول إسلامي زوجته محجبة إلى البرلمان. فكان أن تحدّاه حزب «العدالة والتنمية»، بالذهاب إلى الشعب وتحقيق انتصار كاسح أوصل عبد الله غول ـ وزوجته محجبة ـ إلى رئاسة الجمهورية.
اليوم يحاذر الجيش من الوقوع في الخطأ ذاته. فلدى حزبي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، ومعهما حزب «المجتمع الديموقراطي» الكردي، نحو 70 في المئة من الأصوات، ولديهم أكثر من 430 من اصل 550 نائبا في البرلمان. فكيف سيقف الجيش موقفا معارضا لهذه الأكثرية الساحقة من المجتمع، مجتمعة؟ وكيف له أن يظهر أمام الرأي العام بمظهر من يعارض القوانين التي تصدر عن ممثلي الشعب؟
لذا، يمكن للجيش أن يمنع دخول المحجبات إلى المراكز العسكرية ليس أكثر. أما وظيفته في حماية العلمانية، التي ينص عليها قانون الجيش، فلتوكل هذه المرة إلى القوى غير المسلحة. وبالتالي فإن تمرير القانون في البرلمان بات شبه مؤكد ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان.
ويتساءل حسن جمال في صحيفة «ميللييت»، «أما آن لتركيا أن تنتهي من عهود الممنوعات التي لم تنفعها منذ ثمانين عاما؟ وهل ساهم قانون منع الحجاب في الجامعات في حل هذه القضية؟»، مضيفاً أنه «رغم الملاحظات (التي يبديها) على القانون المقترح، لكنه يعتبر الحل المعقول الوحيد القادر على إنقاذ تركيا من قانون الحظر المعيب للديموقراطية التركية».
ويقول مراد يتكين في صحيفة «راديكال» «يجب ألا ينتظر احد موقفاً من الجيش، يحوّل قضية التعديل الدستوري إلى أزمة»، وهذا الموقف يضاعف من مسؤولية رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في هذا الموضوع.
ويرى الكاتب طه اقيول أن أفكار العلمانيين المسبقة، والداعية إلى استمرار حظر الحجاب، لا تؤدي سوى إلى استمرار حرمان الفتيات المحجبات من التعلم في الجامعات، وهذا مناقض لمفهوم الحداثة وعلى أصحاب الأفكار المسبقة أن يختاروا بينها وبين العلم، فيما لا يستبعد الكاتب فكرت بيلا أن تنشأ المشكلة مجددا، في حال رفعت دعوى أمام المحكمة الدستورية، التي قد تقول بمخالفة التعديل للبند الثاني من الدستور، حول عدم جواز إجراء تعديل عليه.
وطالت النقاشات حتى تفاصيل الحجاب، كأن يبدأ حجاب الطالبة من تحت الذقن بحيث يكشف كامل الوجه، وهي دخول في التفاصيل اعتبرته العديد من المحجبات «تدخلاً في مجال الحرية الدينية» وليس من حق المشترع خوضها، فكما يحق للبعض ارتداء تنانير قصيرة، وللشباب أو يكونوا ملتحين، فللمحجبة أن تختار طريقة ارتدائها للحجاب.
لكن فتيات أخريات ذكرن أنهن سيلتزمن بما سيقرره القانون الجديد، الذي اعتبرنه خطوة مهمة على طريق تعزيز الحريات.
وفي الواقع، حتى في صفوف الإسلاميين فقد انقسموا في ما بينهم على مشروع التعديل، بعدما خرجت أصوات تنادي بتعميم الحجاب على المدارس والدوائر الرسمية.
فصحيفة «زمان» المؤيدة لرجل الدين فتح الله غولين، الموجود في الولايات المتحدة منذ سنوات للعلاج، اعتبرت صيغة التعديل حلا وسطا، فيما عنونت صحيفة «وقت» الإسلامية المتشددة صفحتها الأولى، احتفالاً: «الحظر سيلغى»، بينما وصفت صحيفة «مللي غازيتيه»، المؤيدة لنجم الدين اربكان التعديل بـ«الحرية المحدودة» وبأنه غير كاف، في حين أيّدت صحيفة «يني شفق» المؤيدة لـ«العدالة والتنمية» التعديل، لكن كتاّبها انقسموا حول تقويمه.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد