الحريري ـ صقر بالـجرم المشهود -3 : سعد الحريري في الميدان
لم يعد اتّهام النائب عقاب صقر بالتورط في الصراع السوري مجرّد كلام يُطلق في الهواء. التسجيلات الصوتية لا تدع مجالاً للشك في أنّ النائب عن الأمة غارقٌ في لعبة الدم حتى النخاع. هنا الأسباب الحقيقية خلف سفر النائب صقر من لبنان إلى أوروبا فتركيا، ومعلومات تتحدث عن تورطه في تفجيرات أزهقت أرواح مدنيين سوريين
رغم أنّ علاقة الرئيس سعد الحريري بالمعارضين السوريين تعود إلى عام 2005، ولا سيما منتهجو فكر الإخوان المسلمين، إلا أنّ النائب عقاب صقر كان من أوائل الذين فتحوا قنوات للتواصل بين الحريري وبينهم. ففي البداية، عندما كان صقر لا يزال في بيروت، كان يتولى «التنسيق الإعلامي»، وأحياناً الميداني مع عدد من المعارضين السوريين. آنذاك كانت العلاقة سرية. ورغم موقف الحريري العلني النائي بنفسه عن الأحداث السورية في بدايتها، إلا أنّ صقر كان يعمل ليل نهار في الخفاء ليُعمّق علاقاته بهؤلاء المعارضين. وهنا تتحدث معلومات عن غرفة عمليات أنشئت في منطقة الأشرفية في عام 2011، كانت تضم شبّاناً سوريين ولبنانيين يعملون على التنسيق مع غرفة عمليات أخرى في إحدى الدول الأوروبية، كما مع الداخل السوري. ورغم أن الأحداث لم تكن قد توسعت رقعتها بعد، إلا أنّ غرفة العمليات هذه تولت إدخال كميات كبيرة من أجهزة الاتصالات إلى سوريا، وتحديداً ذلك النوع الذي لا يمكن أن ترصده أجهزة الأمن السورية.
منذ البداية، كان نشاط صقر يجري بتكليف من الرئيس سعد الحريري نفسه. وهكذا بقي المُكلَّف يتابع عمله إلى ما بعد خروج الحريري من بيروت. كان صقر يصعّد الموقف السياسي، داعياً قوى 14 آذار إلى الجهر بموقفها الحقيقي مما يجري في سوريا. في تلك الفترة، كان صقر يُعرب عن قلق أمني كبير، من دون أن يكون لهذا القلق ما يبرره ميدانياً. وبقي على هذه الحالة، إلى أن اخترق «مجهول» الكومبيوتر الخاص به في بيروت. حينذاك، عقد العزم على مغادرة البلاد، بعدما تشاور مع الرئيس سعد الحريري واللواء وسام الحسن. انتقل إلى بلجيكا، لكنه لم يكن يخطط لإقامة طويلة هناك. كان ينوي العودة إلى بيروت، لكن بقاء الرئيس سعد الحريري في الخارج، وانخراط النائب البقاعي في دعم المعارضة السورية أكثر فأكثر، دعواه إلى البقاء في الخارج، متنقلاً بين أوروبا وتركيا. ومنذ ذاك الحين، بدأت رحلة اللعب بالسلاح، بعدما دخلت السعودية على خط دعم المعارضة السورية المسلّحة.
هذا في الخلفية. أما اليوم، فقد افتُضح كل شيء. مصدر تسجيلات «الحريري ــ صقر بالجرم المشهود» يزداد يوماً بعد آخر تمسكاً بما يدلي به بشأن صقر. يؤكد المصدر أن عدداً كبيراً من الكتائب المقاتلة تقبض مخصصات مالية من صقر. يتطرق المصدر إلى قضية شاب إماراتي تربطه صلة قرابة بإحدى العائلات الحاكمة في الإمارات، أتى إلى سوريا للقتال تحت لواء تنظيم «جبهة النصرة لبلاد الشام». يذكر أن صقر حاول التوسّط لإعادة الإماراتي إلى عائلته، لكنه لم يُفلح، متحدثاً عن اشتباكات مسلّحة جرت بين مجموعات يدعمها صقر وعناصر من جبهة النصرة سقط فيها عشرات القتلى. وفي سياق آخر، يسرد المصدر وقائع أحد الاجتماعات في غرفة العمليات. يتحدث عن نشوب خلاف حادّ بين المجتمعين على خلفية وقوع تفجيرات راح ضحيتها مدنيون. يتحدث عن عشرات الضحايا، كاشفاً أن مصدر المتفجرات وأمر العمليات كان خلفه النائب صقر.
في ملف المخطوفين اللبنانيين الأحد عشر، ورغم إشارة مصدر التسجيلات الذي رافق صقر في مهمته الثورية لأكثر من سنة إلى أنّ قائد لواء عاصفة الشمال الخاطف أبو إبراهيم يحصل على مخصص شهري قدره خمسون ألف دولار أميركي من النائب صقر، إلا أنّه يكشف أنّ النائب سعد الحريري طلب من عقاب صقر إطلاقهم. ويذكر هنا أنه بالفعل كان هناك توجّه لإطلاقهم، مؤكداً أن طائرة الحريري الخاصة كانت قد وصلت لأخذهم، لكنه يتحدث عن عرقلة سعودية ـــ قطرية حالت دون ذلك. وإذ يؤكد المصدر حالياً أن أمر المخطوفين اللبنانيين بيد عقاب صقر، فإنه يجزم بأن الأخير لا يمكن أن يُخالف الأوامر العليا.
لم يترك صقر فرصة إلا ونفى علاقته بالتسليح، لكنه لم يكشف عن سرّ «المَونة» التي أسهمت في إطلاق الإيرانيين التسعة الذين خُطفوا في بدايات الأحداث في سوريا، بوساطة مباشرة من الرئيس سعد الحريري نفسه. لم يُجب النائب اللبناني عن سر القدرة على التفاوض بقوة مع المجموعات المسلّحة. لم يتوقف صقر عن إنكار تهمة تسليح السوريين، زاعماً أنه يدعم بإغاثات إنسانية ووجوده في تركيا لا يعدو كونه متابعة لملف الأسرى اللبنانيين. لم يترك صقر فرصة إلا تحدى فيها إثبات تورّطه. فأثناء إطلالته في برنامج كلام الناس على قناة «أل بي سي آي» مع الزميل مارسيل غانم، قال: «إذا استطعتم أن تُثبتوا أني أعطيت أحداً من هؤلاء بندقية أضع نفسي أمام المحاكمة». تحدٍّ كرره صقر في مقابلته مع الزميلة بولا يعقوبيان على قناة أخبار المستقبل قائلاً: «ما زلت عند كلامي، أحضروا دليلاً وحاكموني». وفي مقابلة له مع صحيفة الشرق الأوسط، قال النائب صقر: «لسنا متخصصين بالسلاح ولم نستعمله في بلدنا حتى ننقل هذه التجربة إلى سوريا». كما يُسجّل عليه قوله: «نحن ندعم الشعب السوري بكل ما لدينا من إمكانات بتكليف من الرئيس سعد الحريري من اليوم الأول»، مضيفاً: «أنا ما بعمل شي من دون تشاور كامل وأخذ إذن الرئيس سعد الحريري».
في تسجيل اليوم، يظهر النائب عقاب صقر يتلقى اتصالاً من الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى للجيش السوري الحر لؤي المقداد. يطلب صقر إليه البقاء معه على الخط ريثما يُكمل اتصالاً يُجريه. يؤكد في اتصاله بالمجهول أن المعركة ستُحسم. كانا يتحدثان عن معركة معرة النعمان، بحسب مصدر التسجيلات. يؤكد صقر أنه يتابع المجريات لحظة بلحظة والمنطقة لن تسقط. يعد صقر المتصل بأنه سيبقيه على اطلاع بكل كبيرة وصغيرة وأنه لن يهدأ قبل أن يحسم المعركة. يودعه ثم يقفل الخط ليبادر صقر المقداد قائلاً: خربانة. يسأل المقداد: إنّه الشيخ سعد؟ فيرد صقر بأن الرئيس الحريري «جانن» يُريد حسم المعركة. يُكمل الاثنان حديثهما.
رضوان مرتضى
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد