الخريف السوري الذي قَتَل أدونيس
محكومون بالذاكرة: سبع سموات منها فوقنا، وسبع طبقات من جيولوجية الاحتراق تحتنا. حيث الانطفاء والخيبة والتغير والتحول والحزن. الأرض تخبئ وجدانها، في بطنها، كسرّ بعيد عن متناول أيدينا. تعيش اندفاعاتها الوجدانية فتقذف لنا البراكين مثل غضب تفجر فجأة من قلوب منزوية، وشيئا فشيئا تنساب النار وتبزغ هائجة، تجتاح وجه الأرض الحزين، أليس الحزن إرثاً التقطناه من الأرض.. كذلك الذاكرة؟!
أليس تاريخ سوريا هكذا؟ مترعاً بأساطير الحزن والموت! ألم نحظَ بإلهة اسمها عشتار؟! عشتار التي عشقت الإله الرائع الحُسن «أدونيس»، الإله السوري الاسطوري العتيق والشهير الذي عشقته عشتار، وذات يوم، غادرها ليجلب لها غزالا، وبتأنٍ ورشاقة أدار ظهره للمخفي والمنسي. يقلّب أحشاء الدغل، يبحث عن طريدة، تليق بعشتار ذات الأثداء الكثيرة. يتحرى أدونيس الغزلان مجبولاً بالتوق إلى ذراعيها.
بخطو وئيد تسلل بين العشب والزهر والفتنة تسكنه لهفة الصيد لأنثاه. لكن التراجيديا كانت تتربص بجماله الآسر، والخنزير البري، سريعا ما هاجم الوسيم أدونيس.
وانعتق من ذراعي عشتار: مات. لكن، لم تنج الطبيعة من الافتتان بحسن أدونيس المقتول:
بأي أمانة رهيبة نبتت زهور مفرطة التوهج جذابة مثل سحر آســر خفــي، ومكــان دم أدونيس بزغ فجأة شيء أحمر»نكاية» باستبداد المصير، وعرف البشر زهرة اسمها شقائق النعمان.
كل زهرة منها انطوت على نيّة معلنة بالإغراء، لا أحمر يمكن أن ينافس أحمر شقائق النعمان.
كم أدونيس يتجول الآن في أرض سوريا في انتظار الغدر، نحن السوريين وقعنا بفخ «أدونيس» لنموت مرارا كلّ يوم. لا فرق بين الموت بأنياب الخنزير البري الذي فتك بأدونيس، وبين الرصاصة أو القذيفة أو صاروخ عابر للقارات، فالموت واحد والأسى متعدد، والقلب مشطور.
ماذا ينتظر السوريون الآن؟ ليتوقفوا عن قتل بعضهم بعضاً؟ بأي دم سيضرجنا التاريخ نحن السوريين؟
ونحن ننزح، ونهرب، أو نبقى لنموت. ماذا يفعل السوري الذي لم يعد يعثر على دولة عربية أو أجنبية تمنحه تأشيرة سفر؟
وحدها تأشيرات الموت سارية المفعول بحق السوريين.
الحالمون وحدهم، أمثالي، يحلمون بأنّه:
فجأة سينهض أدونيس المطعون، ويقطع فخاخ الغابات، وتخطئه سهام الصيادين وتمنحه الحياة شطراً لم يحسب له أحد حساب.
ها هي سوريا الآن، الجرح في كل مكان، تماما كما الموت. للحظة مباغتة قد يبدو لنا ان أدونيس خرج يتنزه في الغابة برفقة جراحه القاتلة. يتنزه مع ميتاته كلها السابقة واللاحقة.
في كل ربيع. الآمال تواصل إزهارها من الدم. من قال إن الأزهار أشياء جميلة وبريئة؟!
من أين بزغت اذاً شقائق النعمان المضرجة بدم ربّ؟
في كلّ خريف سيموت «أدونيس» لتنبت زهرة شقائق النعمان. في ربيع «حقيقي» لعله يأتي يوماً.
لينا هويان الحسن
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد