الرواية مجدداً... بين قطيعة وتجاوز
ما هي أسئلة الرواية العربية اليوم؟ وما الذي طرأ على التجربة الروائية لجهة الشكل الفنّي؟ وهل هناك مقترحات سردية أسهمت في خلخلة البنى التقليدية لهذا الشكل؟ وأين تكمن خصوصية الكتابة الجديدة: هل تسعى إلى قطيعة حقاً، أم أنّها محاولة لاستكشاف نصٍّ مغاير؟
تساؤلات كثيرة يطرحها «ملتقى الرواية العربية» الذي تستضيفه دمشق غداً بعنوان «تحولات السرد الروائي» بمشاركة 30 روائياً وناقداً عربياً. الملتقى الذي تقيمه احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» في قاعة المؤتمرات في فندق «برج الفردوس»، ويستمر 4 أيام، سيفتتح بشريط وثائقي بعنوان «بلد واحد هو العالم» مهدى إلى السوري الراحل هاني الراهب. هذا الروائي الذي مثّل منعطفاً في المغامرة الروائية السورية لجهة اللغة والتجريب السردي، ليستكمل ربما ما بدأه قبل قرابة قرن ونصف، فرنسيس فتح الله المراش، صاحب «غابة الحق» (1865)، أول رواية عربية وفقاً للمرويات النقدية.
القطيعة والتجاوز هما محور معظم نقاشات «ملتقى الرواية»، لكن ما هو مفهوم القطيعة؟ يتساءل الناقد محمد برادة، لافتاً إلى «أنّ القطيعة داخل حقل الرواية تتحقق انطلاقاً من الشكل واللغة والتخييل، وهو أمر لا يكون بمعزل عن أصداء وتأثيرات القطائع الإبستمولوجية بقصد إنتاج معرفة مغايرة أو جديدة». أما الروائي السوري خليل الرز، فيشكك بوجود هذه القطيعة أساساً، ما دامت الرواية العربية لم تمثّل ظاهرة واضحة المعالم مقارنةً بتجليات الرواية العالمية. من جهته، يرى الكاتب العراقي علي بدر أنّ الرواية الجديدة أثبتت حضورها في المشهد الروائي العربي منذ عقد على الأقل، باستنادها إلى التشكيك الدائم بما يطلق عليه السرديات الكبرى التي «صارت مضجرة». ويضيف صاحب «بابا سارتر» أنّ «الرواية اليوم تقوم على الآنية بتوقيع الحقائق الاجتماعية واعتمادها العبثية والاحتجاج على القمع». وهذه الرواية «تحفل بكم هائل من الحماقات، وقاموس الأفكار العادية، وألبوم المزح والنكات، وتهديم المثال».
وتجد الروائية المصرية منصورة عز الدين أنّ مصطلح الكتابة الجديدة يحوطه الالتباس: «ليس معقولاً أن نضع الجميع في سلة واحدة، لمجرد انتمائهم بالمصادفة إلى جيل واحد. هذا لا يعني عدم وجود روابط بين تجارب الجيل الجديد، كالتوق إلى تجاوز الواقع أو مزجه بالغرائبي أو السخرية منه. وكذلك التعامل معه بحياد مطلق أو حتى رميه في وجه القارئ بكل تناقضاته وفجاجته، من دون فلترة».
ويوضح الناقد المصري محمد بدوي أنّ الولع بالتغيير هو تعبير عن قلقٍ كامن في الحياة العربية، وخصوصاً الجانب الثقافي منها، يتجسّد بالعمل على فضح الواقع وتعريته، والتأمل في موقع الذات الفردية: «هناك كتابة تتململ من وطأة مفهوم الواقع، وتحاول الإفلات من الكتابة الواقعية إلى الشطح والفانتازيا والتهكم والسخرية». ويشير بدوي إلى أزمة نقدية في فحص التجارب الجديدة، وخصوصاً بعد اقتحام بعض هذه التجارب وسائط جديدة مثل المجلات الإلكترونية والمدونات. فيما يعترف الأديب السوري خالد خليفة بأنّ الكتابة الجديدة لم تحسم أمرها بالقطيعة مع الموروث الروائي العربي، بسبب «الخوف من غضب الآباء».
وتنفي الكاتبة المصريّة ميرال طحاوي أن تكون عوالمها الصحراوية اختراعاً، بل هي «امتداد متمرد لرؤى الآخرين، ومحاولة لاستقراء الذات عبر هذا الموروث بقصد تأنيثه واستئناسه ليصير جزءاً من ذاتي وتاريخي الشخصي». أما منى برنس فتقول: «أنفر من اللغة التي يطلق عليها بلاغية، وأميل إلى استخدام لغة بسيطة جداً، يصفها بعضهم أحياناً بأنها ركيكة، وإن كنت أراها تصل إلى جوهر المعنى وتمس الشعور معاً... الكتابة بالنسبة إليّ هواية أساسها التجريب واللعب والمرح، وأتمنى ألا أحترفها حتى لا تفقد طزاجتها ونكهتها الفطرية».
وقد تكون نقطة الذروة في «ملتقى الرواية العربية»، هي الموعد الذي ضربه لثلاثة روائيين للاحتفاء بهم: خيري شلبي وإبراهيم أصلان وكوليت خوري. يشارك هؤلاء في لقاء مع الجمهور، تتخلّله شهادات في تجربة هؤلاء. إذ ما زالت أعمالهم تستدعي أسئلة حارة وحيوية: خيري شلبي بواقعيته الخشنة، وإبراهيم أصلان بالتقاط الاستثنائي وتمجيد البطل الهامشي، وكوليت خوري بجرأة طروحاتها ومجازفتها في كشف المستور.
أمّا شريط «بلد واحد هو العالم» (نص كاتب هذه السطور وتحقيقه) فيضيء أبرز التجارب الروائية السورية في مسارها التاريخي وتحولاتها السردية، طارحاً سؤال الهوية، راصداً عنصر التاريخ في أعمال حنا مينه، وأسباب الهزيمة في روايات هاني الراهب، وهجاء التاريخ واغتيال الأمل لدى حيدر حيدر، وخرائط القرن العشرين الممزقة والمضللة في أعمال نبيل سليمان. ويتجوّل الشريط في ملامح المكان الحلبي، كما أبرزته أعمال وليد إخلاصي ومحمد أبو معتوق وفيصل خرتش وخالد خليفة... ثم الفضاء الدمشقي في أعمال ألفة الإدلبي وغادة السمّان وخيري الذهبي وفواز حداد... وصولاً إلى فضاء الجنوب في أعمال ممدوح عزام. فاذا بالمدوّنة الروائية السورية مثقلة بالأسى والهزائم، وتقدّم شهادة عن الاستبداد، منذ ولادتها الأولى في ظل الانقلابات العسكرية، والحروب الخاسرة... إلى شوارع اليوم بكل مقترحاتها التخييلية.
خليل صويلح
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد