السوريون تعرّفوا إلى أنفسهم في «وطن حاف»
سوف تحاول الدراما السورية هذا العام اللحاق بالحدث. لكنّ الأزمة وكوارثها تسبق احتمالات المعالجة المقترحة في الموسم الرمضاني 2013. الوطن على صفحات كتّاب السيناريو ماركة تسويقية رابحة، لكن أكثر ما يلفت المشاهد اليوم في تلك المحاولات هو مدى مهارة التقاط وجعه وتحويله إلى مادة درامية ناقدة، كنوع من تخفيف الضغط على العباد! من هنا تقفز لوحات مسلسل «وطن حاف» إلى واجهة الاهتمام الجماهيري. البلاد التي كانت تنتج دراما عن مجتمع يعاني الفساد والفصام بين التقاليد والتحرر، أصبحت اليوم في قلب إعصار هائج من حكايات الحرب والتشرد والأزمات الإنسانية والسياسية.
لم يختر كاتب العمل كميل نصراوي محاكاة درامية للأزمة السورية أو ذهب باتجاه كتابة نص يقوم على «التعليق على ما حدث» فقط. لقد قدم مجموعة من اللوحات الدرامية الساخرة الجريئة من خلال تحويل حوارات الشارع إلى أفكار مقتضبة ومغرقة في قسوتها وقلقها المستمر. هكذا، قارب سخرية الأقدار السياسية التي أضافت إلى السوري تعاسةً جديدة تجاوزت فحش الأسعار وارتفاع لقمة العيش واحتكار الفرح ودفعاً مستمراً لفواتير الرعب التي أعدّها صنّاع «الثورة» لمن كانوا يظنون أنّ تغيير نمط الحياة أبسط من حلاقة الذقن! يقدم «وطن حاف» الذي تناوب على إخراجه كل من محمد فردوس أتاسي ومهند قطيش، صور الاختناق الذي يعيشه المجتمع السوري بعد سنتين على الأزمة. في لوحة «حيطان وآذان» مثلاً، نشاهد كيف يتصدى رجل أعمال فاسد لـ«كبسة» الرقابة والتفتيش على شركته، مؤكداً لها أنّ أفضال أجداده الوطنية أسهمت في بناء البلد بينما يعتقل مواطن لأنه تحدث عن فساد المسؤولين وأصيب بعد ذلك بحمّى الخوف من الكلام. في لوحة أخرى بعنوان «السباط»، يفقد رجل محفظته وراتبه الذي قبضه للتو، فتستقبل أسرته العيد من دون ثياب جديدة ولا طعام يكفيهم لنهاية الشهر. وتنتهي القصة بشراء الأم حذاء مشتركاً يتناوب عليه صغيراها، فيما نشاهد أحد الوالدين خارجاً في تظاهرة دخل فيها من دون أن يعرف!
مع كل لوحة، نشاهد قراءة درامية لمحيط اجتماعي منوع على صعيد العمل والأسرة والشارع وأجهزة السلطة، لكن الطرح هنا يقتصر على تعاطي الناس مع الأزمة من الناحية الذاتية وفتح باب همومهم الخاصة التي كان بالإمكان حلّها من دون الوصول إلى هذا الصراع الدموي، رغم أنّ هذا التفكير العاطفي قد يضحك الكثير من السوريين بسبب معرفتهم المسبقة بتركيبة المؤسسات الحكومية القائمة في معظمها على الفساد المنظم. هذا ما نشاهده في لوحة «عندما يغضب الوزير»، حيث تبعث مراهقة رسالة إلى أحد الوزراء تطلب منه مساعد أمها على شراء صندوق صغير من البيض بعدما وصل سعره إلى حوالي 600 ليرة سورية. يستجيب الوزير لطلب الطفلة، فيأمر مدير مكتبه بإرسال حاجيات غذائية أخرى على حساب الوزير الشخصي. لكن مدير المكتب يسخر من طلب الفتاة، ويطلب من الموظف الأدنى منه أن يرسل جزءاً فقط من هذه الحاجيات. هكذا يتناقص ما أرسله الوزير إلى أسرة الفتاة حتى يقتصر على صندوق البيض فقط!
يتمتع النص المكتوب بذكاء في طريقة سرد الحكاية وتشكيل الفكرة. لكنّ تلك المهارة لم توازها حلول إخراجية لافتة. اختيار الممثلين لم يصبّ في صالح الكثير من الشخصيات. مثلاً تكرار كاراكتير الرجل الفقير والمسحوق الذي لعبه الفنان تيسير إدريس في أكثر من لوحة، يعتبر نقطة ضعف لجهة تنوع الممثلين وتحميل كل لوحة هوية خاصة بها. مع ذلك، برع محمد حداقي في تجسد دور المواطن السوري المسحوق وأندري سكاف في دور مساعد في أحد فروع الأمن الذي يقدم حلولاً لمعالجة احتجاج الطلاب على البطالة.
عمر الشيخ
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد