الشعر الطويل: للنساء أم الرجال؟
الشعر الطويل, هذه الموضة القديمة المتجددة بين أوساط معينة من المراهقين والشباب والتي تكثر حولها التعليقات وتختلف القناعات على حسب ربطها بالعادات والتقاليد, أو بثقافة العصر, أو بالحريات الشخصية.
وهذا جعلني في حيرة حول كيفية تناول أسبابها بمعزل عن نظرة (والصح والخطأ) ومع أن السؤال الذي توجهت به للعديد من الأشخاص الذين أطلقوا العنان لشعرهم, كان محرجاً ويبدو كنوع من التدخل الشخصي حول مبرراتهم في تطويل الشعر والخلفية التي يستندون إليها, إلا أنني شعرت بالراحة وهم يتحدثون بكل صراحة عن أمورهم الشخصية ووجهة نظرهم.
قال فادي أبو عباس: إنني أعيش شبابي, وشعري الطويل لا يؤذي أحداً.. وكل ما أفعله هو نوع من تغيير الشكل عما اعتاد أن يراني الآخرون به.
فأنا لم أقص شعري منذ خمس سنوات رغم الحاح والدتي ووصفها لي بالعيب والحرام.. ورغم تعليقات إخوتي فهناك مواقف طريفة تحدث معي.. فأغلب من يراني يعتقد أنني فتاة, حتى إن بعض رفاقي يخدعهم مظهري من الخلف, وبما أنني أعمل سائق تكسي فإن شعري الطويل يلفت انتباه الشباب والبنات.
أما وليم فاضل: فقد واجهته عدة مشكلات بسبب شعره الطويل وأهمها أن صاحب المعمل الذي كان يعمل به أخوه رفض تشغيله وطالبه بقص شعره, لكن وليم أكد أنه مقتنع بشكله الجديد ولن يقص شعره لأي سبب كان عملاً أو زواجاً حتى يبلغ أسفل ظهره.
البعض ربط تطويل الشعر بمسألة الحرية وبالعصور القديمة.. فقال حسن خلف: إن الشعر الطويل للمرأة والرجل دليل على الحرية والانطلاق والتمرد ومن هنا كان الفرسان القدماء يطلقون شعرهم, وكان الأسياد في عصور العبودية يحرصون على قص شعر العبيد (حتى الصفر) ليثبتوا سيادتهم ونفوذهم.
وقال لي وسام جبالية عندما سألته عن سبب تطويله لشعر رأسه: ألم تسمعي بالشعر الغجري المجنون, فالرأس دون شعر يمثل الإذعان وتقبل أي شيء يفرضه الآخرون, ويتابع حديثه: إن لم يكن الشعر مرتبطاً بنواحي القوة والحرية والهيبة, فلماذا يدفع الكثير من الناس مبالغ باهظة لعمليات زرع الشعر, هذا غير أهميته الجمالية.
كل من سألناه من أشخاص قاموا بتطويل شعر رأسهم دافع عن حريته الشخصية وبالعكس تلقينا الكثير من الاعتراضات من الناس.. فما يمكن أن تقوله لنا الدكتورة إيمان حيدر (قسم علم الاجتماع في كلية الآداب) حول ارتباط هذه الظاهرة بالموضة وبالثقافة الوافدة على المجتمع.. وما علاقتها بنظرية الحرية الشخصية والكرامة فقالت:
هذه الموضة صحيح أنها قديمة لكنها عادت وظهرت بمعانٍ مختلفة مع ظهور الجينز الضيق وقمصان البضي (الضيقة على الجسم) وتطويل السوالف بتقليد عشوائي أعمى كما يشاهدونه بالأفلام الاميركية.
ومع تطور هذا الكم الهائل من المحطات الفضائية أصبحت الثقافات تنقل من بلد إلى آخر خلال لحظات فظهرت جملة من الثقافات الغربية في مجتمعنا من جملتها: ترك الشعر على راحته عند بعض الذكور.
وللأسف أصبحنا لا نستطيع التمييز بين الشاب والفتاة لأن الشاب يلبس بنطلوناً وتيشيرتاً ويربط شعره بمطاطة ملونة كما تفعل الفتاة تماماً.
فاختلطت عناصر الثقافة فأصبحت الازياء متشابهة وأصبح بعض الشباب يرتدون الاسوارة والسنسال على الصدر والخواتم وبعضهم الآخر يبرز مفاتنه الجسدية ويزيل شعر حواجبه أو شعر صدره وكل ذلك دليل انهيار التنشئة المنزلية وتراجعها نتيجة لعوامل كثيرة دخلت على الأسرة.
لأننا نجد في بعض الحالات حتى الأم والأب انجرفوا مع هذا التيار الثقافي فيجلسون بالساعات الطويلة لمشاهدة برامج المياعة البعيدة عن الفن والذوق وأصبحت هذه البرامج نموذجهم الثقافي الحديث.
وبالتالي نحن أمام تراجع في دور الأب والأم وهناك تباعد بين الأصول والواقع, وأكثر المناظر بشاعة هو الشعر الطويل لشاب معه كلب يجره بين مجموعة من الفتيات.
وليس علينا أمام هذا الانهيار القيمي إلا أن نحاول إعادة الوعي الاجتماعي لأولادنا دون تشدد لأننا وللأسف رجل في الجنة ورجل في النار وهذه التربية تحتاج لمسك العصا من المنتصف.
لأن المسألة جاءت نتيجة تقليد الآخر والحب بالظهور بمظهر جديد أمام الفتاة ليقول لها إنه متماشٍ مع الموضة إلى أبعد حدودها.
فيضيف إلى مظهره الخارجي مسألة التلطيش بالكلمات الأجنبية, ليبرهن أيضاً أنه مثقف وإذا فتشنا عن أسرته نجد أنه من أسرة بسيطة وطيبة وبعيدة عن هذه الأمور.
ولكن المهم أيضاً في هذا الموضوع أننا نلاحظ أن الشاب عندما يتزوج يبحث عن فتاة بعيدة عن هذه المظاهر وهي إن أرادت أن تتزوج فإنها لا تختار إلا الرجل.
ميساء الجردي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد