الصناعة العربية ورمال الصحراء
«الاقتصاد العربي يوصف بأنه مهمش لا يساعد في إنماء الاقتصاد العالمي». هذه العبارة ليست رأياً فردياً ولا هي مقولة ارتجالية نابعة من شعور انفعالي، بل هي تشخيص ورد حرفياً على لسان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوزاري للمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتـعدين، التي عقدت قبل أسابيع في القاهرة.
اعتبر الأمين العام حالة الاقتصاد العربي «في حاجة ماسة إلى تقدّم ملموس خصوصاً في مجال الصناعة، والى وجود تنافسية للصناعة العربية عبر تكامل عدد من الصناعات لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية».
لماذا الحديث عن الصناعة في وقت تشهد اقتصادات الدول العربية، لا سيّما النفطية منها، نمواً غير مسبوق وتسجّل فوائضها المالية أرقاماً قياسية يدّخر ويستثمر قسم كبير منها في «صناديق الأجيال» أو في مشاريع تنموية مختلفة؟
الجواب يكمن في السؤال نفسه! فهذه الطفرة المالية المتأتية عن ارتفاع سعر النفط تمثّل فرصة العمر. فالاقتصاد العربي مبنيّ شئنا أم أبينا على رمال الصحراء وعلى الثروات النفطية التي تختزنها، وبالتالي فإن هذا الاقتصاد معرّض للتأرجح حتى لا نقول الانهيار عند هبوب أول عاصفة... رملية.
فإذا كانت أفضل وسيلة لاستشراف المستقبل هي قراءة التاريخ، فإن استقراء مستقبل الاقتصاد العربي من خلال النظر الى تاريخه يقودنا الى خلاصة واحدة: لا بدّ من البناء على الصّخر! ولا نقصد بهذا القول الاستغناء عن رمال الصحراء وذهبها الأسود، بل استخراج هذه الرمال الذهبية وخلطها بالبحص والحديد وجبلها بالعرق لبناء قلعة اقتصادية تستطيع الوقوف في وجه العاتيات التي ستعصف بالقرية الكونية عاجلاً أم آجلاً، لا سيّما إذا ما استفاق المارد الأصفر الصيني من سباته العميق، وهو كما يظهر، بدأ شيئاً فشيئاً... يستفيق!
البناء الاقتصادي على صخر لا يكون إلاّ ببناء صناعي متين. صحيح أن الصناعة لا يمكنها أن تختصر الاقتصاد، الذي لا بدّ له من مكمّلات زراعية وتجارية وخدمية، غير أن عماد الثبات الاقتصادي هو القطاع الصناعي، وإلاّ لماذا وصفت مجموعة الثماني الأكبر في العالم بـ «الدول الصناعية» لو لم تكن هذه الصناعة هي مفتاح نجاحها وعظمتها؟
بحسب الإحصاءات المتوافرة، فإن قطاع الصناعة العربية يوظف ما يزيد على 20 مليون عامل يمثّلون نحو 17 في المئة من إجمالي الأيدي العاملة. وهذه النسبة، المرتفعة مقارنة بواقع الصناعة العربية، تعكس ارتفاع إنتاجية العامل في قطاع الصناعة وقدرة هذا القطاع على الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة وتوفير فرص عمل جديدة.
ولكن هل يعكس هذا الرقم الإنتاجية عينها التي توفّرها نسبة مماثلة من اليد العاملة في أية دولة صناعية؟ بالتأكيد لا. فبحسب أرقام «التقرير الاقتصادي العربي الموحّد» للعام 2005، فإن الناتج الإجمالي لقطاع الصناعة بلغ في العام 2004 حوالى 388.6 بليون دولار مسجلاً نمواً بمعدّل 28 في المئة مقارنة بالعام الذي سبقه. غير أن هذا الرقم يتضمّن القطاع الصناعي بشقيه الاستخراجي والتحويلي، أي أنّه يتضمّن الناتج النفطي الذي سجّل نمواً مرتفعاً.
كيف تتوزّع النسبة بين الشقّين الاستخراجي والتحويلي؟
بالتأكيد إن حصة الأسد تميل الى كفّة الصناعة الاستخراجية التي تمثّل حوالى 300.8 بليون دولار، أي ما يزيد على 77.4 في المئة من إجمالي الناتج الصناعي. وبهذا يكون ناتج الصناعة التحويلية العربية 87.8 بليون دولار، أو 22.6 في المئة فقط، مع أنّها سجّلت زيادةً بنسبة 8.9 في المئة عن العام الذي سبق. والأهم من هذا التوزّع غير المتكافئ أن متوسّط نمو القيمة المضافة للصناعة التحويلية لأكثر من سبع سنوات، أي بين العامين 1997و 2004، لم يتخطّ نسبة 5 في المئة فقط.
ما هو الحل أمام هذا الواقع الصناعي التحويلي المأزوم؟
ارتكزت استراتيجية التنمية الصناعية العربية على محورين أساسيين: الأول بناء قدرات إنتاجية حديثة بحيث تكون صناعات قائمة على المعرفة والقدرة على الابتكار وتشجيع تكوين شركات كبرى قادرة على المنافسة العالمية وتوسيع دور القطاع الخاص في التنمية الصناعية وإعادة هيكلة منظومة الصناعة العربية للاستفادة النسبية لكل دولة، ما يعزز تنافسية المنتجات وقدرتها على اختراق الأسواق العالمية. أما المحور الثاني فيقوم على تنمية القدرات التجارية من خلال التوافق مع المواصفات العالمية والاندماج مع نظم الاعتماد الدولي والتغلب على العوائق الفنية المقيّدة لتبادل السلع، وكذلك الاستفادة من قواعد التجارة العالمية الحرة.
أمام هذا الواقع نجد أن العقبات التي تحول دون تطوّر الصناعة العربية تكمن في شحّ الاستثمارات الصناعية، في وقت يجب على المؤسسات العامة والخاصة أن تغرف من رمال الذهب الأسود المتناثر استثمارات عقارية وسياحية هنا وهناك، لتزرع في القطاع الصناعي استثمارات تطوّر الصناعة العربية لناحية التقانة والخبرة العلمية. فإذا بلغت الصناعة هكذا مستويات من التقدّم والتطوّر، عندها يصبح بإمكانها أن تطرق أبواب الأسواق العالمية.
وعلى سبيل المثال، هناك صناعة السيراميك في إمارة رأس الخيمة عبر شركة «سيراميك رأس الخيمة» التي تمكّنت من أن تحتل مركزاً عالمياً مرموقاً بطاقة إنتاجية تفوق 300 ألف متر مربع يومياً من السيراميك العالي الجودة، والذي يصدّر إلى أكثر من 135 بلداً حول العالم. وسجّلت في العام 2004 أرباحاً صافية بلغت 130 مليون درهم ونسبة نمو تخطّت 14 في المئة.
المثال واضح أمام أعين المستثمرين العرب وأمام الحكومات العربية، والموارد المادية متوافرة، وما عليهم سوى الثقة بالنفس والإيمان بقدراتهم.
خاطر مسعد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد