"العشاق غير المتكاملين"
هل بإمكان "قصة حب" ما أن تعيش بكلّ تفاصيلها الكبيرة من دون أن تفقد نفسها أو أن تفقد شيئا منها عبر الزمن وتضيع؟ ما معنى "نزعة الشر"، وما هي البراءة حين نحب؟ في روايتها "العشاق غير المتكاملين"، (أكت – سود) تقودنا الكاتبة الفرنسية بييريت فلوتيو، ببراعة وعمق، في حفرياتها التي تغوص داخل المشاعر الإنسانية المختلفة.
لا يبدو من المستغرب لمن يعرف أعمال فلوتيو أن يجدها تقوم بعمل مشابه، إذ نجحت طيلة مسيرتها الإبداعية، في الدخول عميقا إلى هذه الأحاسيس، حتى أصبح الأمر من "اختصاصها" إذا جاز التعبير. مع كتابها "جمل قصيرة، يا عزيزتي" الذي صدر العام 2001، استدعت الكاتبة علاقتها بوالدتها التي كانت تعيش فترة غروب حياتها، لتقدم لنا كتابا سرديا رائعا مليئا بالجرأة في تعاطي الابنة مع أمها. في كتابها هذا تعود مؤلفة "نحن خالدان" (جائزة "فمينا" لعام 1990) لزيارة بعض الموضوعات التي كانت تفحصتها من قبل: حب المراهقين، الحب المحرّم، وبخاصة موضوعة "القرين".
حول ليو وكاميّ التوأمين، كما رافاييل الذي "يغرم" بهذا التوأم، تدور أحداث الحبكة. كانا في السادسة من عمريهما إلا ان فرادتهما وتصرفاتهما لفتت انتباه الجميع، فالكاريزما التي يتمتعان بها، كانت تثير إزعاج مَن حولهما. حتى جداهما، اللذان أشرفا على تربيتهما لسنوات عدة، كانا يشعران بهذا القلق.
ثمة شعور وأنت تقرأ بأن ثمة مناخات مشابهة لما وجدناه في روايات سابقة للكاتبة، وبخاصة تلك الروايات "التعليمية" المأساوية التي نجد فيها العديد من الأطفال أو المراهقين كما لو أنهم مدفوعون بقوى قوية تتخطاهم ليرتكبوا أفعالا رهيبة أو على الأقل أفعالا يعتبرها عالم الراشدين كذلك. من هنا تذكرنا فلوتيو بكتاب "الندبة" لبروس لوري أو بـ"حين كنت في الخامسة قتلت نفسي" لهوارد بوتن. بيد أن "العشاق غير المتكاملين" لا تملك هذا الاحتدام المأساوي، ولسبب بسيط يتلخص في أن مستقبلا سعيدا لا يزال ممكنا بعد.
كتاب جميل، إذ ينبغي على المرء أن يمتلك هذه القدرة على إجادة فن الحكاية، كي يترك قارئه في هذه الحالة من القلق، ومن الدهشة التي لا يعرف كيف يعبر عنها... إذ ما بين مناخات "الأخبار المتفرقة" التي نقرأها في الصحف عادة والحكاية الايروتيكة المرعبة، تنقلنا فلوتيو في مخاوف "بلاد السحر" و"مصاصي الدماء". فالسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ترك رافاييل نفسه، ومنذ أن كان في التاسعة من عمره، يسحر بهذين التوأمين اللذين كانا يصغرانه بثلاث سنوات؟ هل لأنهما كانا غنيين، جميلين، بينما هو شخص فقير وعادي وريفي؟ هل لأنهما الذكر والأنثى في الوقت عينه، الشفافية والقتامة، الطهرانية والخطيئة؟
لا تجيب الكاتبة عن كل هذه الأسئلة، بل تقودنا عبر لعبة السرد إلى أسئلة تدفعنا إليها. ربما أجمل الأدب هو الذي لا يقدم سوى أسئلة، وحين يحاول أن يجيب لا يعود أدبا.
اسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد