المتاهة السعودية في كواليس الإدارة الأمريكية
الجمل: تنشط مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية في إعداد البحوث والدراسات الهادفة إلى تقديم السند الفكري والمعرفي لدوائر صنع واتخاذ القرار الأمريكي في الشؤون المتعلقة بالمنطقة العربية وذلك من أجل تعزيز قدرة الإدارة الأمريكية في إعادة ترتيب وتشكيل المنطقة العربية على النحو الذي يخدم المصالح الأمريكية القائمة على المشروع الإسرائيلي.
لم تترك مراكز الدراسات الأمريكية بلداً عربياً إلا وتعرضت لواقعه بالبحث والتحليل، وتتميز عملية التحليل بأنها تأخذ اتجاهاً كلياً يتعلق بدراسة القضايا والملفات العامة. المتعلقة بالبنية الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية العربية وأيضاً اتجاهاً جزئياً يتعلق بدراسة الاوضاع في كل بلد عربي على حدة.
اصدرت مؤسسة كارنيجي هذا العام تقرير بحثياً حمل عنوان (المتاهة المعقدة السعودية: تقييم الانفتاح السياسي الجاري) وذلك ضمن سلسلة الشرق الأوسط التي تصدرها مؤسسة راند .
يقع التقرير في عشرين صفحة ويتضمن النقاط التالية:
اشارت المقدمة إلى أهمية السعودية من الناحية الجيوبوليتيكية ودور العائلة المالكة السعودية والطريقة التي يتم بها توظيف العائدات النفطية كذلك أشارت المقدمة إلى الدور الوظيفي الشديد الأهمية للتطورات الجارية في العملية السياسية في السعودية الداخلية.
• وضع خارطة للفاعلين السياسين: وحددت الدراسة الفاعلين السياسيين السعوديين بالآتي:
- العائلة المالكة السعودية.
- المؤسسة الدينية.
- الإصلاحيين الليبراليين.
- الإسلاميين المعتدلين.
- بقايا عناصر الصحوة الإسلامية.
وقد اشار تقرير مؤسسة كارنيجي إلى الدور الكبير الذي يقوم به تحالف العائلة المالكة مع المؤسسة الدينية السلفية (الوهابين) في عملية صنع واتخاذ القرار مقابل الدور الصغير المتضاءل الذي تقوم به الأطراف الأخرى.
وقد رأى التقرير ضرورة إعطاء دور اكبر عن طريق إفساح المجال أما الأطراف الثلاثة الأخرى (الإصلاحيين الليبراليين، الإسلاميين المعتدلين، وعناصر الصحوة الإسلامية) للمشاركة في عملية صنع واتخاذ القرار السعودي.
• الاجراءات الاصلاحية في الفترة بين عامي 2002م 2005م: وتناول التقرير بعض مفاصل العملية السياسية الداخلية التي تمت في السعودية خلال هذه الفترة، وذلك بالتركيز على:
- اصلاح مجلس الشورى: واشار التقرير إلى عيوب مجلس الشورى التي ظلت تشوبه منذ لحظة انشائه ايام الملك عبد العزيز، وهي عيوب من إبرزها أن مجلس الشورى لايتمتع بأي صلاحيات تشريعية أو تنفيذية وبالتالي فقد ظل مجرد مجلس يقدم المشورة للعائلة الحاكمة والتي كانت دائماً مشورة تخدم وجهة نظر هذه العائلة وطالب التقرير بضرورة دعم عملية اصلاح مجلس الشورى عن طريق تنويع انتماءات أعضاءه، والعمل من أجل أن تكون عضويته عن طريق الانتخاب.
- الانتخابات البلدية: ورأى التقرير بأن التحول إلى تطبيق نظام الانتخابات بدلاً عن التعيين يعتبر في حد ذاته مؤشراً إصلاحياً ويحقق ثلاثة أهداف هي:
• خلق الشعور بالمشاركة في السلطة بين المواطنين السعوديين.
• تأسيس عملية بناء الرأي العام في سائر انحاء المملكة حول القضايا والهموم اليومية المحلية.
• تعزيز الحوار بين الجماعات والأفراد السعوديين حول ضرورة الإصلاح.
- إضفاء الشرعية على منظمات حقوق الإنسان والنقابات المهنية: ويرى التقرير بأن قرار المملكة بإنشاء منظمات وجمعيات حقوق الإنسان والنقابات سوف يؤدي إلى تعزيز المشاركة في الحياة المدنية العامة وطالب التقرير بالتركيز على الاهتمام بحقوق المرأة باعتبارها من أكثر المسائل أهمية في الحياة السعودية.
- إجراءات وضوابط الإصلاح التعليمي: يتحدث التقرير حول رغبة السعوديين غير المحدودة من اجل الحصول على التعليم بكافة مراحله ولكن يوجه الكثير من النقد لمحتوى مقررات المناهج التعليمية والتي وصفها التقرير بأنها لا تصلح لإعداد الإنسان الحديث، إضافة إلى أنها تمارس الكثير من التوجيه العقائدي والذي بالضرورة يدفع المواطن السعودي في نهاية الأمر إلى الانغلاق ومقاومة التطور وطالب التقرير بالعمل من أجل القيام بعملية (إصلاح علماني) حقيقي في محتويات نظام التعليم السعودي.
- إضفاء الطابع المؤسساتي لمؤتمرات الحوار والتفاهم الوطني: ويرى تقرير مؤسسة كارنيجي بأن مبادرة السلطات السعودية التي صدرت في أيار عام 2003م والتي إعلنت عن رعاية السلطات لعمليات مناقشة ودراسة الإصلاحات المطلوبة، وترقية وتطوير حرية التعبير في المملكة تمثل خطوة متقدمة ويرى التقرير بأن مركز عبد العزيز للحوار والتفاهم الوطني قد أطلق جولات من الحوار الوطني السعودي ولكنها لم تكن بالقدر الكافي بل كان لها الكثير من العواقب السلبية التي تمثلت في محدوديتها وعدم شمولها إضافة إلى غياب الأطراف ذات المواقف والآراء الجريئة حول الشأن السعودي.
- إمكانية إحداث أصلاح أكبر وأكثر أهمية: ويرى تقرير مؤسسة كارنيجي بضرورة المضي قدماً في عملية الإصلاح داخل السعودية ويشترط التقرير بأن هناك ضرورة ملحة للتأكيد على أن المراحل الاجرائية القادمة من الإصلاح السعودي لابد أن تتضمن تركيز وعمقاً اكثر من القضايا الأكثر حساسية وذلك لأن الحديث عن الاصلاحات الادارية وحده يعتبر غير كافياً ومن ثم فلا بد من التركيز على الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
وينتقد التقرير الإطار والمجال الواسع والذي أدى بشكل ثابت إلى تمركز عملية صنع واتخاذ القرار في ايدي رجال العائلة المالكة السعودية والمؤسسة الدينية وطرح التقرير أربعة مسارات أعتبرها واقعية من اجل استدامة زخم عملية الإصلاح وتوسيع نطاق الحريات السياسية في المملكة العربية السعودية والمسارات الأربع هي:
- تعزيز صلاحيات واختصاصات مجالس الشورى والبلديات.
- توسيع نطاق المجتمع المدني السعودي.
- تطوير وترقية الإصلاح التعليمي.
- المساواة بين الجنسين
كذلك تناول التقرير فقرة كاملة اطلق عليها عنوان (دور الولايات المتحدة) وقد ركزت على ضرورة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور ضاغط ووظيفي قوي في توجيه عملية الانفتاح السياسي الجارية في السعودية وشدد التقرير أيضاً على ضرورة أن تستخدم الإدارة الأمريكية الوسائل العسكرية والاقتصادية من أجل القيام بعملية الضغط على السلطات السعودية ورأى التقرير بأن ثمة صدمة كبرى قد حدثت في أمريكا بسبب اكتشاف أن الأغلبية العظمى من منفذي أحداث أيلول قد كان من المواطنين السعوديين وفي هذا الصدد يرى التقرير بأنه برغم الـ(شراكة) المتميزة بين السلطات السعودية والإدارة الأمريكية فإن ذلك يجب ألا يؤدي إلى تقاعس الإدارة الأمريكية عن القيام بدورها الضاغط من أجل تفعيل عملية الإصلاح في السعودية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد