المرأة في «الدراما السورية»نموذج «الحرملك» ونموذج القوة والطموح
نادرة هي المسلسلات السورية التي قدمت المرأة السورية كما تستحق وكما يجب أن تقدمها بها، على الرغم من أن الحياة السورية على مدى القرن العشرين كانت حافلة بعشرات النساء المتميزات والمبدعات في كل المجالات، وفي رمضان الذي ودعناه منذ أيام رأينا نموذجين متناقضين للمرأة السورية، الأوّل في مسلسل «باب الحارة» والثاني في مسلسل «أسمهان» ففي العمل الأول نرى المرأة السورية والدمشقية تحديداً بصورة تعيد للأذهان صورة المرأة في عصور الانحطاط الإنساني وتعيد للأذهان صورة نساء الحرملك اللواتي خلقن للطبخ والمتعة والإنجاب فقط، ورغم فيض النقد الذي تلقاه الجزء الثاني وتحديداً في هذه النقطة إلا أن الكاتب والمخرج أصرّا على التمادي في إبراز هذه الصورة ولم تنفع محاولة الإيحاء بعكس ذلك من خلال شخصية إحدى بنات «أبو حاتم» التي تحاول تعلم التمريض وكان جلياً أن المسألة أقحمت إقحاماً وبشكل سطحي وساذج لإسكات بعض الأقلام الناقدة وكأني بالمخرج بسام الملا أراد أن يقول للمدافعين عن المرأة الدمشقية:
«انبسطوا هاي ممرضة شو بدكن أكثر من هيك». هذا لا يعني أن النموذج الذي شاهدناه في مسلسل «باب الحارة» لم يكن موجوداً في ذاك الزمان ومازالت له ذيول إلى وقتنا الراهن ولكن لا يجوز إطلاقاً الترويج والتطبيل له وبهذا الشكل الفج والمضجر ولو كان هناك جمعيات معنية بشكل حقيقي بالمرأة لوقفت بحدة أمام هذا «التخريف» والاستسهال إذ لا يجوز بالمطلق تعميم صورة المرأة الدمشقية بهذا الشكل المجاني والتجاري إلى العالم كله. أما النموذج الثاني للمرأة السورية ذاك الذي شاهدناه في مسلسل «أسمهان» الذي يعتبر بالفعل درة أعمال موسم 2008 ليس في سورية فقط بل في الوطن العربي ولسنا هنا في وارد تناول اعتراض البعض على العمل برمته بقدر ما تعنينا أسمهان تلك المرأة السورية الجريئة القوية والطموحة، ولكن الجرأة والقوة والطموح في شخصيتها لم تقلل إطلاقاً من كونها أنثى ساحرة وجميلة ولم تحجب القوة ذاك العمق الإنساني الذي كانت تحمله في داخلها، لقد كانت أسمهان وكما قالت في أحد مشاهد المسلسل تريد «دنيا بلا حيطان» أي تريد عالماً يعترف بها كامرأة قادرة على تغييره وقد قامت آمال فهد الأطرش المرأة العربية السورية بهذا الدور عندما قررت الخوض في بحار الخطر من أجل استقلال سورية ورفعتها وتحدت كل الظروف من أجل تحقيق ذاتها كفنانة تعشق الفن وتحب الحياة ولم ترض أن تلعب دور المرأة المظلومة والمستكينة والعاجزة رغم أنها لم تعش سوى 26 ربيعاً إلا أنها عاشت حياة غنية وملأى وكأنها عمّرت قرناً كاملاً غنت ودخلت عالم السينما والموسيقا وعزفت على أوتار السياسة والحرب وتزوجت ولكنها لم تعشق، ربما لأنها كانت تشعر أن الحياة قصيرة جداً ومن الظلم أن نصرفها في الدموع والتفكير والأمنيات والأحلام. أسمهان تلك المرأة العربية السورية عاشت كامرأة تستحق الاحترام والتقدير، تلك المرأة التي ولدت في عباب البحر الأبيض المتوسط كان من الظلم أن تموت في ترعة حقيرة وأرى أن المخرج التونسي شوقي الماجري قد أبدع في المشهد الأخير من المسلسل عندما أظهر أسمهان فرساً عربية أصيلة تركض في حقول القمح بكل عنفوان ورفعة وكأن الموت بداية حياة جديدة وهذا ما حدث بالفعل فسوف تبقى أسمهان حديث الناس لفترة طويلة جداً وكأني بها ستعيش أعماراً وأعماراً، ونساء «باب الحارة» لا يعشن سوى عمر واحد كأنه لم يكن، ولا ننسى تلك المرأة العربية السورية التي لعبت دور أسمهان وأبدعت وتألقت وأثبتت قدرة المرأة السورية على الإبداع وأعني الفنانة سلاف فواخرجي التي أكدت أنها أحبت واحترمت وفَهِمَتْ «أسمهان» وكان واضحاً تقاطع سلاف مع أسمهان وخاصة في جانب القوة والطموح. نموذجان على طرفي نقيض للمرأة السورية في «باب الحارة» و«أسمهان» نموذج المرأة التي تقضي عمرها في خدمة «ابن عمها» ونموذج المرأة التواقة للحرية.
محمد أمين
المصدر: الوطن السورية
التعليقات
هاد رايك الخاص
إضافة تعليق جديد