الهاكرز يضربون المواقع الإسرائيلية
في غُرَف غير واسعة وحصينة، تَتَحلّق مجموعات صغيرة، لا يزيد عدد كل منها على 5 أشخاص، حول طاولات حسنة التجهيز، تعلوها كومبيوترات (يتراوح عددها بين 2 و3) من أنواع مختلفة. ويسود مقدار من الصمت، تقطعه جُملٌ قصيرة وكلمات متناثرة، لا يتناسب مع التنسيق الكثيف في عمل تلك المجموعات. ثمة من يدور بين تلك الطاولات، ليقدم النصائح، وليوزّع بعض الأوراق المكتوبة التي تتضمن كثيراً من المعلومات، من ضمنها عناوين للمواقع الإلكترونية الإسرائيلية التي يجدر رصدها ثم مهاجمتها. وبحسب ما أورده مصدر قريب من «حزب الله» لجريدة «الحياة»، يسمح الحزب لمجموعات متفاوتة في خبراتها المعلوماتية بالمشاركة في تلك الحرب، التي تستمر أحياناً في السلم، بين موقع «حزب الله» على الانترنت hizbollah.org، إضافة الى الموقع المميز لقناة «المنار»، وبين الأيدي الاسرائيلية الافتراضية التي لا تكفّ عن استهدافه، حتى في ظل اتفاقيات وقف إطلاق النار. وبحسب المصدر نفسه، فان المسؤول الحزبي الذي ينسق تلك الهجمات يعتقد بأن تلك الهجمات من صنع غير جهاز استخباراتي، إضافة الى الموساد الإسرائيلي. ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، عانى موقع الحزب هجمات عدّة، وعند كتابة هذه السطور، كان الموقع «مُصاباً» ومغلقاً. وينطبق الوصف نفسه على موقع تلفزيون «المنار»، الذي استهدف القصف الاسرائيلي مبناه في شكل مباشر، ودمره بالكامل. إنها الحرب الإلكترونية: ذلك الشكل من الصراع الذي ظهر الى الوجود مع الكومبيوتر والانترنت، ثم بات جزءاً من الاستراتيجيات العسكرية الحديثة.
وفي ظل العدوان الاسرائيلي الراهن، بادر مسؤولو المعلوماتية في «حزب الله» الى مغادرة المقار الحزبية، وانتشروا في أماكن مجهولة، على غرار ما فعله مسؤولو ذلك الحزب ومقاتلوه. ويُدرك المشاركون في تلك الحرب الخفيّة، انهم جزء من الصراع المباشر مع العدو، ويتصرفون باعتبارهم مقاتلين ينفذون مهمات من شأنها إضعاف قوة إسرائيل.
وبحسب المصدر المذكور، «ليس المهم دوماً طبيعة المواقع المُستهدفة، فأحياناً من المهم أن يُحسّ العدو اننا نُمثّل قوة متطورة فكرياً وثقافياً وحضارياً، وأن بإمكاننا ان نصارعه في هذا المجال العلمي والتكنولوجي المتقدّم». والمُفارقة انه راج قبل سنتين، وعبر مواقع لمؤسسات استراتيجية مختلفة، ان المؤسسة التي تستضيف موقع «حزب الله» على الانترنت هي «مجموعة الحجيلان» Hejailan Group التي تنسج علاقات حسنة مع... البنتاغون الأميركي!
ويقول المصدر نفسه: «ليس كل من يعمل في هذه الحرب الالكترونية من الملتزمين بالحزب، بعضهم مجرد شباب مُغامر يُحب التحدي المُتمثّل في إختراق المواقع، خصوصاً عندما تكون إسرائيلية. عندما نلاحظ أحداً لديه هذه القدرات، نُحاول التقرّب منه للاستفادة من قدراته. كثيرون من هؤلاء يبقون خارج أُطر الحزب، وثمة قلّة قليلة تتدرج في العلاقة مع الحزب الى درجة الدخول في منظماته الشبابية أو ربما الحزبية، لكن هذا ليس شرطاً. ثمة حقيقة مهمة أُخرى: ليس كل المشاركين في حرب المواقع الالكترونية هم من ذوي الخبرة بأصول الفيروسات وفكّ الشفرات، والمعلوم ان إسكات موقع معين على الانترنت يتطلب جهداً لأكثر من شخص. وإن عدد الهاكرز الذين يستطعيون التعامل مع شفرة المواقع، ليس كبيراً. انهم بمثابة «الخبراء» وينسقون أعمال الآخرين، يعمل بعضهم كهواة». ويتابع قائلاً: «مع توافر نية الصراع مع العدو، تتمثل مهمة هؤلاء في إنجاز القسم «الأسهل» من العمل، مثل إرسال كميات كبيرة من الرسائل والملفات والصور الى موقع مُعين، أو طلب متكرر لعشرات الصفحات منه، ما يؤدي الى إرهاق الموقع، وأحياناً إقفاله».
ثم يشرح المصدر عينه، أسلوباً آخر لضرب المواقع الالكترونية الإسرائيلية، يمكن وصفه بـ «عناقيد الهاكرز»: «نطلب من مجموعات صغيرة جداً أو من شخص واحد أحياناً، العمل في شكل متحرك، ومن دون لفت الأنظار، وغالباً ما تعمل تلك المجموعات، التي لا تعرف بعضها بعضاً، ويُشبه مجموعها شكل عنقود العنب، باستقلالية تامة. وتميل كثيراً الى الاستفادة من مقاهي الانترنت، بحيث تستعمل مقهى في كل مرة. وفي معظم الأحيان، تُلاحق القوى الأمنية اللبنانية هذه الأنشطة، لأسباب كثيرة لا مجال لشرحها، لذلك تسود قاعدة ذهبية قوامها «مقهى في كل مرّة». وربما لا تتسبب تلك المجموعات المتحركة بالكثير من الأذى للعدو، لكنها تصب في جهود استنزافه».
ويكشف المصدر ان بعض المجموعات الإلكترونية تعمل بأسلوب سحب من المواقع الاسرائيلية الى كومبيوتراتها، ثم ضغطها، بواسطة برامج صغيرة وغير مُكلفة مثل «زيب وان» Zip One، لكي لا تحتل مساحة كبيرة على الكومبيوتر.
وينطبق الوصف الذي يعطيه المصدر المذكور على ما يُعرف باسم «هجمات منع الخدمة» Denial Of Service، التي تُشتهر باسمها المختصر «دوس» DOS. ولا تتضمن انشطة «غير مشروعة»، مثل فكّ الشفرات، وتعتمد على مبدأ بسيط: استغلال ما هو متاح على الموقع لإيذائه. مثلاً، تحتوي كثير من المواقع على قسم مُخصص للبريد الإلكتروني. وفي هجمات «منع الخدمة»، تعمد مجموعة من الأشخاص الى إمطار البريد الالكتروني بسيول متلاحقة من الرسائل، الى حد استنفاذ قدرته على التلقي، فيتوقف. ويعمد بعضهم الى ربط مواد كبيرة الحجم بالبريد، مثل الكتب والصور والأفلام وغيرها، لأنها تحتل مساحة الكترونية كبيرة، مما يزيد في الأثقال الملقاة على عاتق ذلك الموقع.
أحمد مغربي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد