انتحار المخرج البريطاني توني سكوت.. نهاية في الذروة
لا يزال سؤال الانتحار ملتبساً وغامضاً. فعلى الرغم من الرسائل التي يتركها منتحرون قبل إقدامهم على هذا الفعل الذاتيّ الحرّ، تبقى الإجابات معلّقة، والحكايات غير منتهية. السؤال الآخر المطروح: ما الذي فعله المنتحر في اليوم نفسه الذي شهد رحيله بإرادته؟ هذان سؤالان مطروحان بشدّة إثر شيوع نبأ انتحار المخرج السينمائي البريطاني توني سكوت. فالرجل، الذي قيل إنه ترك رسالة تؤكّد فعل انتـحاره، امتلك العديد من مقوّمات العيش الرغيد، خصوصاً أنه كان، قبل أربع وعشرين ساعة على انتحاره، يُحضّر الأرضية الصالحة لتنفيذ جزء ثان من «توب غان» مع توم كــروز، بعد 26 عاماً على تحقيقه الجزء الأول، الذي حقّق 176 مليوناً و786 ألفاً و701 دولار أميركي إيرادات محلية. هذا رقم يُعتبر الأعلى في لائحة إيرادات أفلامه المليئة بالتشويق والمطاردة والحركة.
إذاً، انتحر توني سكوت. الشقيق الأصغر لريدلي سكوت، قرّر مغادرة هذا العالم، على الرغم من استعداداته للبدء بتحقيق فيلم سينمائي جديد. هذا يعني أن سينمائياً بلغ لحظة التحرّر الأقصى من وطأة الحياة، فقرّر الذهاب إلى موته بقدميه وعقله وروحه. قرّر الذهاب إلى حتفه، رامياً جسده من جسر مرتفع فوق سطح نهر. إذا كان السؤالان السابقان مفتوحين على احتمالات وتحاليل لا تنضب، فإن اختيار مكان الانتحار وزمنه يُشكّلان، بدورهما، جزءاً من تلك اللعبة القاسية التي يُخلّفها المنتحر إثر رحيله: «إنه حالِم. خلّف بصمة لا تُقدَّر»، كما قاـل تــوم كروز، الذي مثّل بإدارته في فيلمين اثنين فقط، هما «توب غان» و«أيام الرعد» (1990). علماً أن الممثل دنزل واشنطن حقّق أكبر عدد من الأفلام بإدارته، بدءاً من Crimson Tide (1995): هناك أيضاً Man On Fire (2004) وDeja Vu (2006) وThe Taking Of Pelham 1 2 3 (2009) وUnstoppable (2010)، الفيلم الأخير لتوني سكوت.
«إنه معروفٌ بأفلام الأكشن، حيث تؤدّي التكنولوجيا دوراً بارزاً». بهذه الكلمات، يُمكن اختزال النتاج السينمائي الذي صنـعه توني سكوت في رحلته الفنية. «أفلام الأكشن» المشحونة بتوتر عصبيّ أحياناً، لشدّة انغماسها في تحويل الحركة إلى مسار تصاعديّ من المطاردات المتــنوّعة، مع أنـه لم يُبعد أفلامه هذه (أو بعضها على الأقلّ) عن أسئلة إنسانية جوهرية، كالخطيئة والإيمان والغشّ والسرقة والعلاقات والاحتيال والخديعة والكذب. تقنية الأكشن المصنوعة بحرفية عالية جداً غلّفت مضامين وجودية أحياناً، وإن لم تبلغ مرتبة النقاش الدرامي الواسع. أي أن هذه التقنية جعلت الأفلام محور نزاعات بين تناقضات شتى، مُحرِّراً نصّه من الثنائية التضادية «خير» و«شرّ»، ومُركِّزاً إبداعه على معنى الإقامة داخل هذه التناقضات، أو على حافتها. تقنية منحته قدرة كبيرة على ابتكار صُوَر مكتوبة بلغة العنف الكامن في ذات الفرد ولاوعي الجماعة، مستفيداً من توفير هوليوود له إمكانيات غزيرة، أتاحت له التصرّف بأفلامه وفقاً لأهوائه الجمالية. ذلك أن البريطاني توني سكوت بات، مؤخّراً، أحد السينمائيين المطلوبين بغزارة في عاصمة الفن السابع، علماً أن الجزء الثاني من «توب غان» لم يكن مشروعه الوحيد في المرحلة المقبلة، إذ ذُكر أنه كان يستعدّ لتنفيذ مشروعين آخرين، هما: Narco Sub (ثريلر يتناول حكاية جندي بحري سابق مُكلّف بتهريب شحنة كوكايين إلى داخل الولايات المتحدّة الأميركية)، وLucky Stripe (قصّة عميل تابع لجهاز مكافحـة المخدّرات، يتعــاون مع تاجر مخــدّرات لمواجهة تكتّل تجاري ضخم في المجال نفسه).
نديم جرجورة
المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية
إضافة تعليق جديد