بائعة الكبريت
الإقتراحات الممكنة للشعاررأيتها تتقدم نحوي فاستحضرت ذاكرتي بائعة الكبريت الصغيرة وهي تشعل عود ثقاب لتتدفأ به فيُطفأ من شدة الرياح. تحاول ثانية وثالثة. البرد قارص جداً، لكن أعواد الثقاب أبت كلها أن تشتعل!
- «من أنت؟»، تدحرج السؤال فوراً على لساني.
- «ماذا؟!»، صرخت باستغراب وجرأة، «أنا بائعة العلكة، ألم تعرفيني؟! أراك دائماً هنا أمام باب الجامعة. إشتري مني هذه المرة، وسأدعو لك أن تنجحي في الامتحان. دعواتي مستجابة دائماً!».
- «ألا تشعرين بالبرد؟ ألست في المدرسة؟ كم عمرك؟».
قطّبت حاجبيها وأجابت بسخرية، وبحسب تدافع أسئلتي نحوها: «اسمي فاتن. لا، لا أشعر بالبرد. عمري 12 سنة. نعم، أنا في المدرسة ولكنني أعمل بعد الدوام. أي أسئلة أخرى؟».
تأملت ثيابها الرثة ثم يديها الصغيرتين المتسختين وقدميها الحافيتين، وقلت: «ألست جائعة؟». نفد صبرها، وردت بتوتر وغضب: «هل تريدين شراء علكة أم لا؟».
استدركت طلبها وأنا أفتح محفظتي مربكة: « نعم نعم. لكن أين أبوك وأمك؟ هل تعملين هنا وحدك؟».
تأففت ورفعت رأسها الصغير لتعرض علي مساومة: «سأجيبك فقط مقابل أن تشتري مني. أبي في المنزل، إنه عاطل من العمل. أنا وأخوتي الخمسة نعمل من أجل كسب النقود. هل فهمتِ الآن؟». عدتُ وفكرت ببائعة الكبريت. لم تكن بائعة الكبريت تغضب أبداً. كانت جميلة، وتبقى نظيفة، طيبة، ومسكينة. أما هذه الفتاة فمسكينة أيضاً، صحيح... ولكنها مختلفة.
قطع إلحاحها حبل أفكاري من جديد: «هل أعطيك علكة؟ يبدو أنك لا ترغبين في شراء شيء».
أعواد الثقاب كلها انطفأت. بائعة الكبريت لم تعد إلى المنزل خوفاً من عقاب أبيها، لأن أحداً تلك الليلة لم يُشفق عليها ويشترِ منها علبة كبريت. وأعوادها الكثيرة لم تنفعها أيضاً لتنال بعض الدفء في الطقس المثلج. «أخذتها النجوم إلى السماء»، يقال، «واعتنت بها هناك، فلا أحد يرعاها هنا».
بسرعة، ناولتُ فاتن بعض النقود، قبل أن يتحلق حولي عشرات الصبيان والبنات، وهم يصرخون: «اشتري منا أيضاً. واحدة فقط. أرجوك!».
بيسان البني
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد