بعد 537 يوماً إنهاء اعتصام المعارضة في بيروت

22-05-2008

بعد 537 يوماً إنهاء اعتصام المعارضة في بيروت

عند الحادية عشرة إلا دقائق قليلة أطلقت كلمة السر من العاصمة القطرية. قدم رئيس المجلس النيابي نبيه بري «هدية لاتفاق الدوحة»، وفيها: «ابتداء من اليوم (أمس) باسم المعارضة يرفع الاعتصام من وسط بيروت». ولم يمض وقت طويل حتى عاد الدم يسري في شرايين قلب العاصمة.

لا يحتاج المتجول في وسط بيروت قرابة ظهر أمس، إلى جهد كبير ليلاحظ الفرحة المرسومة على الوجوه. الفرحة العارمة هنا لها ما يبررها بالنسبة الى الموجودين، سواء كانوا من مناصري فريق الأكثرية أو المعارضة. فمجرد خروج المعتصمين من الوسط التجاري المقفل منذ عام و172 يوماً وعودة المطاعم والملاهي والحياة فيها الى طبيعتها «مكسب للجميع وللمعارضة». وبحسب أحد المسؤولين الأمنيين للاعتصام «السابق»، فإن «الخروج من هنا كان مطلبنا منذ مدة، لكن لم يكن بإماكننا ان نرحل من دون تحقيق مطالبنا». اليوم مطالب المعارضة «تحققت»، بحسب المسؤول، و»إزالة الخيم والحواجز الحديد، هي الخطوة الأخيرة قبل مغادرتنا الى بيوتنا».

أمام المسؤول يحتشد جمع من الصحافيين والمصورين منذ ساعات. تتجه الكاميرات في اتجاه رجال يوضبون خيمة كبيرة من موقف السيارات القريب من جسر فؤاد شهاب. ويفككون الى قطع صغيرة هيكلها الحديد، فيما يختص واحد منهم برفع الأعلام التي صارت ألوانها باهتة، ويلفها برفق فوق بعضها بعضاً.

«طبعاً مبسوطين ومتفائلين»، يقول، وقد سره إعلان الاتفاق بين القادة اللبنانيين، والذي استمد منه ان «المعارضة حققت مطالبها، ونحن عندما سمعنا كلمة الرئيس (بري) بدأنا بإجراءات التنفيذ».

عند الثانية عشرة ظهراً، يأتي الأمر بوقف التصوير. «حتى الخامسة، لا داعي لوجود الصحافيين هنا»، يقول المسؤول. فمن وجهة نظره: «لا داعي للانتظار تحت الشمس. الشبان سيرفعون الخيم على مهل، وبعد الظهر يمكن لمن يشاء ان يصور». قرار منع التصوير يتلقفه بحماسة شاب بسترة عليها شعار «حركة أمل»، فيتولى على عاتقه منع التصوير. وتبدأ سيارات قليلة تتسرب الى قلب الوسط.

دقائق قليلة وينتقل التجمع الصحافي الى الخيمة الكبيرة في ساحة اللعازارية، بناء لتوجهات شبان «الانضباط» بأن «حزب الله» سيعقد مؤتمراً في الساحة. هنا أيضاً، التصوير ممنوع، لأسباب يقول أحد الأمنيين من الحزب إنها «لمنع عرقلة الشبان العاملين على فك الخيم». أما الصحافيون فعليهم التجمع «لنعطيكم شوية ملاحظات، وحتى نتعرف على وسائل الإعلام الموجودة»، يضيف، قبل أن يطلق نداء عبر جهازه اللاسكلي: «أنت الـ101. أرسل كل الصحافيين عندك الى الخيمة الكبيرة». ينتظر الصحافيون أكثر من ساعة تحت الخيمة الكبيرة من دون ان تلوح بوادر المؤتمر الصحافي في الأفق.

على بعد خطوات مقهى للمعارضة بدأ أصحابه بإزالة الدعائم الحديد التي تثبته بالأرض. يسخر أحدهم من الواقع، ويقول متهكماً أمام رفاقه: «غداً سأقطع الطريق هنا احتجاجاً على إنهاء الاعتصام. لقد قطعوا مورد رزقي»، فيضحك آخر: «مورد رزقك غير مهم. الأهم هو أننا حققنا مطالبنا. أسقطنا الحكومة واحتفظنا بالسلاح». على مقربة من الاثنين يبدو رجل غير معني بما يدور من حوله. يجلس على كرسيه محتسياً كوباً من الشاي، وخلفه لافتة: «نحن. نريد حكومة نظيفة»، وعلى مقربة منه مساحة كان أحدهم زرع فيها أنواعاً من الخضار.

من موقف اللعازارية هذا كان يدار الاعتصام. في صدر خيمته الكبيرة كانت خريطة لشوارع الوسط ولكل خيمة فيه، بالأرقام والألوان. الخيمة الآن تفرغ من محتوياتها. ويتولى الشبان يعاونهم نجارون وحدادون فك الأخشاب والحديد، فيما يزيل الباقون فرش النوم الإسفنجية وآلات التدفئة والتبريد ولوازم حياة يومية امتدت نحو سنة ونصف سنة.

من هذا الموقف أيضاً، يبدو جسر فؤاد شهاب مكتظاً بالسيارات والمارة. عليه يقف مراقبون كثر. مواطنون عاديون، ومراسلون لمحطات كثيرة عــربية وأجــنبية مــع سيارات النقل المباشــر. معهم يقف عــناصر مــن الــجيش وقــوى الأمــن يتفرجون على الحدث من بعيد.

يضج موقف السيارات الأقرب الى السراي الحكومية بالصحافيين وسياسيي المعارضة، فيبدو كأنما يعيش احتفالاً. يرتفع صوت أغاني المعارضة، فيغطي على صوت عضو كتلة «التحرير والتنمية» النيابية علي بزي يقول: «لا أحد يريد ان ينبش الماضي، على الأقل علينا ان نتعظ من الماضي».

ويضيف أن «اللبنانيين ينتظرون منا ان نفتح صفحة جديدة. فلنفتح صفحة مشرقة. فليبنوا معاً دولة يشعر فيها الجميع بأنهم سعداء»، وأن «اللبناني عنده إصرار على البقاء. في الأيام المقبلة يجب أن يكون عندنا إصرار على إرادة الإعمار والنهوض والازدهار». إلى جانب بزي يأتي سياسيون آخرون ويجولون في أنحاء المخيم، داعين الى الاتفاق بين اللبنانيين ونسيان الماضي. ومنهم عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي نبيل نقولا الذي يحمّل مرة جديدة «السلطة مسؤولية التأخير في رفع الاعتصام».

بين الجميع ينتشر عمال شركة التنظيفات «سوكلين» يرفعون ما تيسر، فيما يواصل الشبان فك الخيم بتأن، وإزالة الأسلاك الشائكة والعوائق الإسمنتية تمهيداً لمرور السيارات الى الوسط. ويؤكد المسؤول الإعلامي في «حزب الله» غسان درويش أن «فريق عمل من ألفي شخص سيواصل العمل حتى فجر الخميس (اليوم) لرفع كل مخلفات الاعتصام».

الحاجز المؤدي الى شارع المصارف ما زال على حاله. وكعادته يتولى عسكري ومدني من حرس المجلس تفتيش الداخلين. أمس، تلقف أصحاب المحال المقفلة وبعضها منذ بدء الاعتصام - الخبر الجميل. وتحول الوسط الى ورشة تنظيف وإصلاحات لبدء العمل مطلع الأسبوع المقبل.

ويقول موظف في مطعم «انتركوت» وهو واحد من ثلاثة تابعة لمجموعة «بوبس» إن «أعمال التنظيف بدأت منذ ثلاثة أيام. كنا متفائلين بذهاب الزعماء الى الدوحة، واليوم بدأنا بإصلاح الكهرباء وأضرار أخرى»، في حين يتأسف آخر على «الشهداء الذين سقطوا قبل أيام من دون سبب».

مطعم «سكوزي» أيضاً، تحول الى ورشة. ويقول أحد الموظفين فيه إن «الأضرار طاولت البرادات والخشب، لكننا مستعدون لإصلاحها، ونراهن على عودة الحياة الى المنطقة».

وأمس، عادت الضحكة الى وجوه العاملين هنا. بينهم عامل سوداني يقول إن «وضع البلد تحسن، وبالتالي وضعنا سيتحسن». لكن، على بعد خطوات من الفرحين بعودة الحياة، ما زالت خيمة تنتصب في حديقة جبران مقابل مبنى «اسكوا».

الخيمة هذه لن ترفع على رغم أن وجودها سبق نصب اعتصام المعارضة. وفيها ستبقي أمهات المفقودين اللبنانيين في السجون السورية على صور أبنائهم مرفوعة بانتظار خبر جميل من مكان ما يزيد عدد الوجوه الباسمة.

منال أبو عبس

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...