بلديات فرنسا تعاقب ساركوزي

17-03-2008

بلديات فرنسا تعاقب ساركوزي

ساركوزي يقبّل زوجته كارلا بروني قُبيل توجهه للاقتراع في الانتخابات البلدية أمسما نقص الموجة الوردية لكي تتحول إلى تسونامي سوى انتزاع مرسيليا من الساركوزي «جان كلود غودان».
المدينة المتوسطية، وثاني المدن الفرنسية، وحدها نغصت صفاء انتصار اليسار الفرنسي في البلديات، ومع ذلك خرج اليسار في الدورة الثانية من البلديات غانماً سبع مدن، من العشر الفرنسية الأكبر، خصوصاً استراسبورغ وتولوز وبو، بعد باريس وليون وليل، وأنقذ إنجيه بفارق بسيط جداً. واحتفظ اليمين بنيس وبوردو ومرسيليا.
وأحرز الحزب الاشتراكي وحلفاؤه في اليسار 49.5 في المئة من أصوات الناخبين، فيما اكتفى اليمين، وحزبه «الاتحاد من أجل حركة شعبية» اليميني الحاكم، بـ 47 في المئة من الأصوات.
ويضاعف من قوة انتصار اليسار في البلديات، ان الموجة الوردية الاشتراكية، غمرت مدناً لم تعرف في الماضي رؤساء بلديات من غير اليمين، ولم يكن التداول فيها بين جناحي السياسة الفرنسية أمراً مألوفاً كرنس وكين.
واستعاد الحزب الاشتراكي 40 مدينة، يفوق عدد سكانها الثلاثين ألف نسمة كان قد فقدها عام .2001 واستقر توازن المدن والمناطق الفرنسية على كفة تميل لصالح اليسار. ودخل سدس أعضاء الاشتراكي مجالس البلديات لقيادة الإدارات اللامركزية في فرنسا، غير أن المشهد السياسي العام وميزان السلطات في البلاد، بات شديد التوازن، إذ يغلب اليسار بوضوح على غالبية المجالس الإقليمية التي تسيطر على 20 من أصل 22 مجلسا إقليميا، و55 في المئة من المجالس البلدية،
فيما يسيطر اليمين على فرنسا المركزية، حكومــة وبـــرلماناً ورئاسة. وأنجزت الانتخـــابات البلدية، عـــودة اليسار ليـــؤدي دور المعارضة والســلطة المضادة للمؤسسات المركزية.
وقد يكون اليمين أحــسن قيادة الدعاية الانتخابية، والتقليل ببراعة كبيرة من الخــسائر في الدورة الأولى، عندما تلقى الوزراء، والوزيرات بشكل خاص، على هواتفهم النقالة، نصاً واحداً من هاتف الرئيس نيكولا ساركوزي، ومستــــشاره لدعاية الانتخابات، ليلقوا على الفرنســــيين، عبر قنوات التلفزة، تأويلاً واحداً إن «البلديات مجرد استحـــقاق محلي، بين الفرنسي وعمدة قريته، لا شأن للســياسة الوطنية به»، وذلـــك في محـــاولة للتخفيف من شأن الهـزيمة، التي مني بها ساركوزي.
وتخلى الأمين الاشتراكي جوليان دراي، عن تحفظ الأسبوع الماضي. وقال «الانتصار واضح، ويقاصص الرئيس على سياسته». وهو ما بقي دفيناً خلال الأسبوع الفاصل بين الدورتين، مخافة أن يؤدي قوله، إلى تعميم انطباع لدى جمهور اليسار، أن المعركة قد حسمت، فتتلاشى الهمم وينفض ناخبو اليسار عن صناديق الاقتراع.
واختار رئيس الوزراء فرانسوا فيون التقليل من شأن ما جرى «فاليمين كسب البلديات عام ,2001 ولم يفعل اليسار اليوم سوى استعادة الوضع الماضي، وليــس من المناسب استـــخلاص أي نتائج سياسية، لأن ضعف المشاركة لا يسمح بذلــك».
وبدا الامتناع عن التصويت مرتفعاً إلى 34 في المئة، والدرجة التي تسمح بعدم المبالغة في تأويل الانتصار، إلى درجة التشكيك بشرعية الرئيس، المنتخب قبل عشرة أشهر، لكن الاشتراكي لوران فابيوس اعتبر ان ما حدث «تذكير من الفرنسيين للرئيس، بأنه لم يعد يملك توكيلاً مفتوحاً بحكم فرنسا، وعلى الحكومة أن تأخذ الإنذار الانتخابي على محمل الجد.
وناشدت سيغولين رويال المنتخبين الجدد والفرنسيين العمل «على إصلاح ما خربه حكم ساركوزي في الأشهر الماضية».
وبعث ساركوزي بإشارات متناقضة في تأويله للانتخابات، عندما استبق الهزيمة بالقول إن «معانيها تقتصر على الإدارة المحلية»، لكـــنه مع ذلك «سيأخذ النتائج بالحسبان، وسيقوم بتصويبات حكومية». إذ لا يمكن للرئيس أن يتجــاهل إخفاقه بقوة في أول اختبار سياسي يواجهه، بعد انتصار رئاسي لا جدال فيه، لكن من دون أن تنقضي عليه 10 أشهر، ولا يمكنه الاكتفاء بالقول إن ذلك لا ينال من شرعية انتخابه، أو «من حقه في مواصلة السياسة التي بدأها»، كما قال فيون. وإذا ما اكتفى بمجرد التصويب، ولم يقم بتعديلات جوهرية في توجهات حكومته، وتحقيق وعوده في رفع القدرة الشرائية للفرنسيين، فسيكون عرضة للنقد حتى في أوساط الأكثرية النيابية التي تؤيده.
وفي غمرة الانتخابات، اختفت الجبهة الوطنية من أي تمثيل بلدي، خصوصاً في الجنوب الفرنسي، حيث مثلت في التسعينات من 20 إلى 30 في المئة من الناخبين. وقاوم الحزب الشيوعي بقوة، وبشكل مفاجئ، بل وتقدم أحياناً ليستــعيد بعض المدن الكبرى التي فقدها، وحافظ على معاقله في الضواحي، وحقق اليســار المتطرف والتروتسكي نجاحاً مهماً، تجاوز العشرة في المئة في بعض المدن، وقضم من ناخبي الاشتراكي، من الفئات الشعبية، التي لم يعد يخاطبها اليـسار منذ الثمانينيات. وعاش «الوسط» وحزبه «المودم» مأساة انتخابية، عندما سقط زعيمه فرانسوا بايرو على بعد بضعة عشرات من الأصوات من بلدية بو، وهجره في البلدية خمسة ملايين ناخب، رافقوه وأيدوه في الرئاسة، ولم يستطع حزبه تحقيق أي اخـــتراق ذي مغزى، تاركاً فرنسا في يد مبـــارزة تقــليدية بين اليـــسار أو اليمين، لا مكـان بينـهما لأي وسط.

محمد بلوط

المصدر: السفير

  
 


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...