بورخيس يتحدث
خمسة وعشرون عاما مرت على رحيل الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس. وفي هذه الذكرى، يستعيد الصحافي الأميركي البارز والكاتب غاي توليز المقابلة التي اجراها معه وتعرف خلالها اليه، في نيويورك، في رواية نشرتها صحيفة "ايل باييس" الإسبانية اخيرا. أجرى توليز الحوار في احد فنادق نيويورك، يتذكر اسمه بالكاد، ونشره في صحيفة "نيويورك تايمس" في الحادي والثلاثين من كانون الثاني 1962. في تلك الفترة، كان الأميركي ابن العقد الثالث محررا أدبيا قابل بورخيس تلبية لطلب رئيس تحرير الصحيفة حيث عمل. على رغم اطلاع توليز على اعمال الكاتب الأثير، تسلل اليه توتر خفيف وهو يوشك على لقائه. وجد بورخيس مستقيما في كرسيه في بهو الفندق، والحال ان الكاتب الفاقد البصر أشعره بأنه متنبه لكل ما يدور حوله. تراءى له كأنه يراقب حركة مجيء النزلاء وإيابهم. ابان الحوار الذي لم يتخطّ نصف الساعة، راح بورخيس يحصي حسنات ان يكون المرء كفيفا. قال الأرجنتيني الستيني الذي فقد بصره على مراحل، ليجعله ينعزل تدريجا عن ذبذبات العالم: "في الماضي كان العالم الخارجي يتدخل كثيرا في يومياتي"، ليضيف بنبرة تأملية: "اما الآن فصار العالم برمته في داخلي. صرت أبصر على نحو أفضل، ذلك اني بتّ استطيع رؤية الامور التي احلم بها. حلّ العمى تدريجا، لم يأت مباغتة او على نحو درامي. في حال فقد المرء البصر فجأة، تتحطم الدنيا إربا امامه، بلا شك. غير انه في حال مرّ بمرحلة الغروب، يشعر بأن الزمن يتدفق على نحو مختلف. في وسع العميان ألا يفعلوا شيئا، ان يظلوا مستوين في مقاعدهم. يتمتع فاقدو البصر ببعض الامتيازات لا يفيد منها الصمّ. لا يتحلى هؤلاء بالصبر. احيانا، يهزأ الناس من الصمّ، في حين لا يسخر احدهم من الرجل الضرير".
مصنع الكتب
يُعرف المؤلف وكاتب السيناريو الاميركي جيمس بيترسون في الوسط النشري بالرجل الذي جعل المعايير الأدبية تنقلب رأسا على عقب. انطلقت تجربة الكاتب في 1976 من خلال عنوان واحد كالسواد الأعظم من مواطنيه في جمهورية الكتب. نفدت عشرة آلاف نسخة من باكورته، وهو عدد متواضع وانما مرضٍ على نحو بعيد بالنسبة الى مبتدئ. لكن الأمور تبدلت جذريا مذاك، فبات المؤلف بيترسون يتصدر قائمة مجلة "فوربز" الأميركية التي نُشرت اخيرا وتضمنت تصنيفا للكتّاب وفق مداخيلهم على المستوى العالمي. تقدم الأميركي الذي يسعه اصدار ما يزيد على خمس عشرة رواية في غضون عامين، جميع كتاب العالم من حيث حصد المال ليحصل تاليا على لقب "مَصنَع الكتب" وفق المجلة. جمع بيترسون اربعة وثمانين مليون دولار بين شهري ايار 2010 ونيسان 2011، اي بزيادة بلغت خمسة عشر مليونا في المقارنة مع العام المنصرم. انجزت مؤسسة "نيلسون بوك سكان" التقديرات المادية واخذت في الاعتبار حصيلة المداخيل التي شملت بيع الكتب وحقوق الاقتباسات السينمائية وألعاب الفيديو. توضح "فوربز" انه يمكن تبرير جزء اساسي من مداخيل الكاتب الأميركي من خلال الرجوع الى بنود الاتفاق الذي ابرمه مع دار نشر "هاشيت" الفرنسية. ينبغي للروائي وفق حيثيات الإتفاق وقيمته مئة وخمسون مليون دولار، ان يصدر ما لا يقل عن سبعة عشر كتابا قبل 2012. علما انه سيتعاون لهذا الغرض مع قافلة من المؤلفين. على نسق استوديوهات الانتاج السينمائي، صارت دور النشر راهنا اكثر تعويلا على النجاحات المدوية. قبل ثلاثة عقود كانت الرواية الناجحة تجاريا كناية عن مؤلف يتمكن من بيع نحو مئتي الف نسخة في الغلاف السميك. اما اليوم فلم يعد الكتاب يصنّف في فئة الاعمال المحورية تجاريا، سوى في حال تجاوز عتبة مليون نسخة في الحد الأدنى. ربما يفتقر اسم بيترسون الى التكريس الشعبي من طراز روائيين من نمط ستيفن كينغ وجون غريشمان او دان براون، لكن في وسعه ان يتبجح بتجاوزهم ماديا، من دون رفة جفن. حقق الكاتب خلال زمن قياسي ما عجز عنه كثر من ذوي الاقلام البارعة، ليبني انتشاره على شخصية التحري الكس كروس التي تحضر في معظم رواياته وجسده مورغان فريمان في السينما، الى جانب أخرى نسائية بهوية ليندساي بوكسر في سلسلة روايات "نادي النساء المجرمات".
ميشال مورت نسيماً بحرياً
رحل اخيرا الكاتب الفرنسي ميشال مورت عن السابعة والتسعين، بعدما ترك في رفوف المكتبة الناطقة بالفرنسية نحو أربعين عنوانا دمغت بطباع رجل "تحدر من منطقة بروتانيي الفرنسية كان كاثوليكيا وهمجيا في آن واحد" وفق نعي عضو الاكاديمية الفرنسية جان دورميسون. كان الروائي "فولكنر بنسخة بروتانيي" بحسب وزير الثقافة الفرنسي فريديرك ميتران الذي توقف عن مساهمته في استعادة المونولوغ نفسه والحوار الذي اتقنه نسيبه الادبي البعيد الاميركي فولكنر. رأى مورت النور في 1914 ونشأ في محاذاة البحر في كنف عائلة تقليدية، ليحتفظ من هذه المرحلة بذكرى مضيئة على الرغم من طيف الحرب العالمية الأولى الضاغط، وليتولى سردها في عناوين روائية عدة من مثل "السجن البحري" (1961) و"منزل الأب" (1979). عمل مورت في "منشورات روبير لافون" قبل ان ينفي نفسه طوعا في 1946 الى الولايات المتحدة حيث انجز "مملكتي من اجل حصان" (1948) وهي روايته الثانية التي أتت بحكاية الاحتلال في جوار المتعاملين مع العدو النازي. ادار خلال عقدين القسم الأنغلوسكسوني لدى منشورات "غاليمار"، واضطلع بالنقد الأدبي في صحيفة "لوفيغارو". انتخب عضوا في "الاكاديمية الفرنسية" في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم، ليجلس في المقعد الثالث والثلاثين حيث سبقته قامة بكبر فولتير. كان اختيار مورت تكريما لمنجز وضع تحت راية النسيم البحري.
سبع وأربعون كلمة تفوز بالجائزة
فازت قصيدة جاين ماكّي، "الأرملة المصابة بالبرص، العذراء مريم" بمسابقة "ادوين مورغان" الشعرية الدولية، والنص كناية عن مجموعة كلمات لا تتعدى سبعاً واربعين، مما يرفع قيمة الكلمة الواحدة الى مئة وستة جنيهات استرلينية. استلهمت الشاعرة احدى كنائس ارونديل لاتمام قصيدتها ولتتجاوز من طريقها تاليا ما يزيد على الف ومئتي قصيدة مصدرها بلدان عدة. وصف اعضاء لجنة التحكيم النص الفائز بـ"الموسيقي والمتخيل ببراعة لا تضاهى"، ليضيفوا في مديحه انه يصفّي جميع المقومات المرجوة في المضمار الشعري، ويفصح عن جانب اللغة الموسيقي ويعبّر عن العالم الضائع من خلال اثني عشر سطرا على نمنمة وبساطة واناقة. تقيم ماكّي في ليلينثغاوي، وهي باحثة مساعدة في جامعة ستيرلينغ وتشرف على دار نشر صغيرة بإسم "كنوكير برس"، وباكورة الفائزين بالجائزة الادبية التي اطلقت في 2008 وتحمل اسم الشاعر الاسكتلندي الراحل ادوين مورغان.
رلى راشد
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد