تماثيل بغداد حائرة
منذ الغزو الأميركي للعراق في مارس/آذار 2003 تعرض العديد من الآثار التاريخية بالبلاد للنهب والسرقة والتدمير.
ورغم القيمة التاريخية والدلالات الثقافية لتلك الآثار فإن المحنة التي يمر بها العراق جعلت آثاره تواجه الإهمال مما يهدد بفقدان جزء كبيرة من ذاكرة البلاد.
فتقلبات أيام بغداد تركت بصماتها على بركة الماء التي تسكب عليها كهرمانة منذ سبعينيات القرن الماضي -بأمر من النحات محمد غني حكمت- الماء فوق الجرار التي يختبئ تحتها لصوص علي بابا الأربعين.
فحكاية كهرمانة التي تلقي بتحيتها كل صباح ومساء على سكان حي الكرادة ببغداد بدأت منذ أكثر من ثلاثين عاما يوم انتهى النحات الكبير محمد غني حكمت من وضع لمساته الأخيرة فوق جسد عشيقة علي بابا وهي تخفي بغنج أربعين لصا يختبئون داخل أربعين جــرة.
آنذاك همس نحات آخر هو إسماعيل فتاح الترك في أذن حكمت أثناء إزاحة الستار عن الجسد الملفوف بالحرير الصيني الذي أعاد حكمت حياكته على جسدها البرونزي الضامر قائلا "فعلتها يا حكمت.. والله فعلتها بإتقان يا ملعون".
ويربط النحات نزار محمد بين محنة بغداد ومحنة تماثيلها بقوله "تعرض العديد من التماثيل والنصب في بغداد لتدمير متعمد من قبل جماعات مجهولة غاضبة على نبض المعنى وعمق الثقافة التي تحملها تلك التماثيل، وذلك منذ قيام الدبابات الأميركية عند اجتياح بغداد عام 2003 برشق البوابة التاريخية ذات الطراز الأشوري للمتحف الوطني العراقي فدمرت نقوشها الملونة.
"تماثيل بغداد حائرة" هكذا يلخص نزار المصير الحالي لآثار متعددة على غرار "نصب الشهيد" شرق بغداد الذي يحكي قصة شهيد حرب العراق مع إيران, و"قوس النصر" داخل المنطقة الخضراء الذي مر صدام حسين من تحته على جواد أبيض في أغسطس/آب عام 1988 معلنا النصر في الحرب على إيران.
وقال نزار إن هذه الآثار وغيرها لم تعد تعني شيئا للساسة العراقيين الجدد وكذلك العشرات من التماثيل التي دمر بعضها ومازال البعض منها ينتظر دوره في التهديم.
ويتذكر الحاج قدوري عبد الرزاق -وهو أحد أبناء بغداد- أن المرة الأولى التي تم فيها تحطيم التماثيل في العاصمة العراقية كانت أثناء الأحداث التي رافقت الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الكريم قاسم في 14 يوليو/تموز عام 1958.
وقال إن الجماهير الغاضبة حطمت تمثال القائد الإنكليزي الذي احتل بغداد عام 1916 الجنرال مود في الكرخ ثم حطمت بغضب اعتبره غير مبرر تمثال الملك فيصل الأول مؤسس الملكية في العراق.
ويذكر أنه تمت إعادة هذا التمثال بقرار حكومي صدر عام 1987 إلى مكانه السابق مجددا عن نسخة طبق الأصل من القالب الموجود لدى عائلة النحات الإيطالي الذي كان أنجزه وتوفي نهاية عشرينيات القرن الماضي.
وتوالت بعد ذلك عمليات هدم وتحطيم التماثيل -يضيف الحاج عبد الرزاق- قائلا "لأسباب بعضها سياسي والآخر لسرقة مادة البرونز بعد سقوط نظام صدام حسين".
وكان الأبرز في عمليات تحطيم التماثيل تم وسط بغداد حيث دمرت تماثيل الضباط العراقيين الذين شاركوا في انقلاب مارس/آذار عام 1941 بقيادة رشيد عالي الكيلاني وكذلك عشرات التماثيل في البصرة جنوب العراق لعسكريين عراقيين يطلون بوجوههم ويشيرون بأصابعهم نحو إيران, وكذلك حطمت تماثيل لضباط عراقيين أعدموا في منطقة أم الطبول غربي بغداد في عام 1959.
وأشار عبد الرزاق إلى أن مصير نصب الجندي المجهول الذي أبدعه النحات الراحل خالد الرحال داخل المنطقة الخضراء وما يحويه من متحف كبير للعسكرية العراقية يظل مجهولا لحد الآن.
فاضل مشعل
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد