تيناريوين الأمازيغية وجوني كليغ الأفريقية تفتتحان «موسيقا العالم»
افتتحت فرقتا تيناريوين القادمة من قلب صحراء مالي، وجوني كليغ الجنوب أفريقية فعاليات ليالي موسيقا العالم التي تقيمها الأمانة العامة لدمشق عاصمة الثقافة في قلعة دمشق وتستمر حتى الثالث والعشرين من الشهر الجاري بمشاركة عدة فرق عالمية تمثل ثقافات مختلفة تختتمها لينا شماميان في اليوم الأخير بأمسية غنائية تقدم اللون السوري..البرنامج حافل ويتيح للجمهور السوري الاطلاع على ألوان مختلفة من الموسيقا والآلات وأساليب العزف التي قام الموسيقيون بتطويرها ومزجها مبتكرين طرقاً جديدة على صعيد الغناء والعزف والأداء..
استطاعت فرقة تيناريوين أن تقدم أمسية مدهشة بالفعل، فاسم الفرقة الذي يعني (صحارى) بالأمازيغية لم يكن ليعطي فكرة عن طبيعة موسيقا البلوز التي تقدمها قبل بدء العرض، حتى إن الحضور تفاجؤوا بالغيتار الكهربائي مجتمعاً مع آلات الصحراء التقليدية كالإيقاع، لكن ما إن بدأت الأمسية حتى تبدد ذلك أمام الأداء الجميل والرائع لأعضاء الفرقة حيث اجتمعت النقائض إذا صح التعبير، سواء من حيث الأدوات أم من حيث الرقصات التي رافقتهم أم من جهة اللحن الذي ورغم استخدام الآلات الغربية ظل يحتفظ بذلك الرابط الكبير مع اللون الشرقي، وكانت الكلمات العربية والزغاريد توحي بمدى تلك الصلة وحجم حضورها الكبير في أعمال تلك الفرقة بشكل عام..
ارتدى أعضاء الفرقة زيهم الشعبي الشهير، وكانت وجوه العازفين الملثمين تضفي إيحاء مرادفاً للموسيقا والغناء الذي ظل محتفظاً بنبرته الحزينة وإيقاعيته العالية التي دفعت الجمهور إلى الانسجام والرقص مع تجربة جديدة تقدم للمرة الأولى روك الصحراء في دمشق. فالفرقة ورغم إطلالتها العالمية الكبيرة على موسيقا الشعوب المختلفة إلا أنها لم تتخل عن العلاقة الوثيقة مع الصحراء وربما هنا يكمن سر تميزها وتأكيد أهم الموسيقيين في العالم أن ما تقدمه هو من الأشياء النادرة بالفعل.. هكذا كان غناء الطوارق وموسيقاهم غير بعيدة عن حداء البدو لكن بشكل أكثر حداثة وتطوراً واستخداماً فريداً للآلات.عازف الغيتار البريطاني الأصل جوني كليغ الذي يسمى بملك موسيقا (روك الزولو) المستمدة من سكان جنوب أفريقيا الأصليين، قدم لوناً مختلفاً جمع بين موسيقا البوب والموسيقا الغربية، فغنى باللغتين الانكليزية ولغة سكان جنوب افريقيا الأصليين مستوحياً موسيقاه من أنغام قبائل الزولو الشهيرة في القارة السوداء على آلالات غربية استطاع من خلالها أن يظهر براعة نادرة في الرقص والأداء والموسيقا حتى إن كلمة روك الزولو التي بدت مدهشة للوهلة الأولى استطاعت أن تجذب الحضور إلى الانسجام والتفاعل والرقص، فرغم الفارق النسبي بين الفقرتين: روك الصحراء الذي قدمته تيناريوين، وروك الزولو لجوني كليغ، إلا أن الحضور بدا مستسلما جدا من أجل الاستماع واكتشاف اللون الجديد. فكليغ الذي يأتي للمرة الأولى إلى المنطقة وسورية تحديداً استطاع أن يحدث تلك النقلة المختلفة والنوعية بين ما فعلته تيناريوين من شد للجمهور، حيث لم يفقد تلك الميزة بل حاول الإبقاء على ذلك التفاعل مرتفع الوتيرة مع جمهور بدا متعطشاً لاكتشاف هذا اللون الجديد.
كليغ الذي سبق أن غنى بلغة أهل البلاد الأصليين ودافع عن حرية نلسون مانديلا، كان نتاجاً لذلك المزيج الذي طبع جنوب أفريقيا ليس على صعيد أعراق البشر وألوانهم وإنما على صعيد ثقافتهم وفنونهم أيضاً، لذلك فإن أغنيات كليغ وألحانه هو مثال أو عينة صارخة لذلك التفاعل والاختلاط، حتى على صعيد أداء الرقصات التي قام بها أثناء الغناء، فالواضح أن يحاول أن يقدم جميع الألوان في منطقته على أساس أنها تجتمع في إناء واحد أو تصب في نفس المجرى مهما كانت الاختلافات.
برنامج موسيقا العالم في دمشق حافل بالمشاركات العالمية والعربية ويتيح للجمهور السوري فرصة الاطلاع على مختلف الألوان والآلات وطرق الأداء التي تطبعها ميزة التلاقح والاستفادة من تجارب الآخرين بشكل عام.
أعضاء فرقة «تيناريوين» (والكلمة تعني باللغة الأمازيغية: صحارى (هم طوارق من قلب صحراء مالي حيث تمتد جذور موسيقا البلوز التي انتقلت فيما بعد إلى القارة الأمريكية ومنها إلى كل أنحاء العالم. وهي أول فرقة أمازيغية تستخدم الغيتار الكهربائي بالإضافة إلى آلات الصحراء التقليدية. تسمى الموسيقا التي تعزفها الفرقة بالـ «الأسوف» وهي تعني الشوق أو الحنين، وقد حولتها بألحانها المجددة إلى ما يطلق عليه اسم «روك الصحراء». بدأت الفرقة مشوارها في بداية الثمانينيات إذ غنت للحرية والإنسانية و الترحال في الصحراء، حيث يعيش أعضاء الفرقة حتى الآن، على الرغم من شهرتهم العالمية. شاركت الفرقة في العديد من المهرجانات في كل أنحاء العالم حيث حصلت على إعجاب الجمهور والنقاد حتى أن أشهر الموسيقيين العالميين أمثال كارلوس سنتانا وروبيرت بلانت وإلفيس كاستيللو يعتبرونها من أهم ما تم تقديمه على الساحة الموسيقية العالمية خلال العقدين الماضيين.
- «جوني كليغ» مغني وعازف غيتار من أصول بريطانية يلقّب بملك موسيقا الروك الزولو (وهو اسم ثقافة سكان جنوب أفريقية الأصليين). يغني «جوني كليغ» بلغة سكان جنوب أفريقية الأصليين كما يغني بالإنكليزية، ويدمج بين موسيقا البوب الأفريقية والموسيقا الأنجلوساكسونية. حارب «جوني كليغ» بموسيقاه التمييز العنصري في جنوب أفريقيا (كأغنيته التي طالب من خلالها بإطلاق سراح نيلسون مانديلا) وقد ساهم في نشر التراث الموسيقي الجنوب أفريقي إلى كل أنحاء العالم. يشتهر «جوني كليغ» بالحفلات الموسيقية الصاخبة التي ترافقها أشكال من الرقص من جنوب أفريقية، كما يعرف عن حفلاته أنها قد تضاهي حفلات مايكل جاكسون في بعض الأحيان. أصدر «جوني كليغ» أكثر من عشرين ألبوماً وحصل على عديد من الجوائز الموسيقية العالمية وعلى دكتوراه فخرية من جامعة ويتواترسراند (جوهانسبورغ). يعتبر مجيء "جوني كليغ" إلى سورية حدثاً استثنائياً إذ إنها المرة الأولى التي يقدم فيها حفلاً حياً في هذه المنطقة من العالم.
زيد قطريب
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد